بعد اعتذار الرئيس سعد الحريري عن عدم تشكيل الحكومة، كثيرون توقعوا أن يطل الأخير ويبق “كل البحص” الموجود داخله باتجاه رئيس الجمهورية ميشال عون وصهره جبران باسيل، إلا أن ما حصل كان عكس التوقعات حيث ظهر الحريري مهادنًا الطريفين ومؤكدًا على ضرورة التعاون “لنبني البلد”، في حين شن هجومًا كبيرَا على حزب الله الذي يعتبر العائق الأساسي لانفصال السعودية عن لبنان، موجهًا من جهة أخرى رسائل الود للأخيرة بالرغم من كل المعطيات التي تشير إلى أن مشاعرها باتت باردة نحوه.
كل هذا الكلام، أي الهدنة من جهة والاشادة بالسعودية ومهاجمة حزب الله من جهة ثانية، يعيد اللبنانيين إلى عام 2009 حين اعتذر أنذاك الحريري عن عدم تشكيل الحكومة ليعاد تكليفه بعد 3 أشهر. فهل يتحضر الحريري لتكليف جديد آملًا بعودة المياه إلى مجاريها مع المملكة؟
مصدر سياسي اعتبر أن العودة لسيناريو 2009 مستبعدة “فالمرحلة ليست مرحلة سعد الحريري على ما يبدو ولكن بعد الانتخابات النيابية المقبلة فإذا كان الحريري هو صاحب أكبر كتلة فمن المؤكد أنه سيكون المرشح الطبيعي لتشكيل الحكومة”.
وعن إمكانية أن تكون هناك حكومة قبل الانتخابات، أشار المصدر لـ”لبنان 24″ إلى أن “الظروف الحالية لا توحي بالتفاؤل ولكن هناك ضغوطًا دولية مباشرة فرنسية وأميركية لفتح باب الاستشارات بشكل سريع”، مشيرًا إلى أن “على الحريري أن لا يتصرف بطريقة ثأرية فلا بد أن يفتح المجال لشخصية سنية أخرى لتتسلم المسؤولية لأن البلاد لا تستطيع أن تبقى من دون حكومة”.
وبالرغم من أن الحريري أكد أنه لن يسمي اسماً “لكن يمكنه أن يسهل عملية التكليف ووصول اسم مقبول سنيًّا وتسووي لكي ينهض بهذه المرحلة الانتقالية”. بالمحصلة، الحريري اعتذر والأوضاع الاقتصادية إلى مزيد من التدهور ، وهذا ما لوحظ بعد ساعات قليلة من اعتذاره حيث أقفلت المحال التجارية أبوابها تحسبًا لارتفاع الأسعار ووصل سعر صرف الدولار في السوق الموازية إلى حدود الـ22 ألف ليرة للدولار الواحد.وفي هذا الإطار، أفادت مصادر اقتصادية لـ”لبنان 24″ أن “اعتذار الحريري هو الحدث الأخير الذي كانت تبنى عليه أمال لاستعادة ثقة المواطنين،فحين يثق المواطن بسلطة سياسية تعلم كيف تدير الأزمة، فهذا ما يخفف من وطأتها ،لكن اعتذار الحريري عزز انعدام الثقة وعمق الأزمة وهذا ما رأيناه على أرض الواقع بالارتفاع السريع للدولار”.واستدركت المصادر بالقول إن “انهيار العملة الوطنية مسألة طبيعية بالنسبة للذي يحصل ولكن السرعة الهائلة لارتفاع سعر صرف الدولار يطرح تساؤلات واستنتاجات، وهي أن البعض من المتضررين من اعتذار الحريري أو الأطراف السياسية المؤيدة له أو حتى المناهضة لعون وباسيل ساهمت بالتلاعب والمضاربة على العملة وذلك لتحميل الأخيرين مسؤولية الانهيار”، مشيرة إلى أنه “حين تكون هناك مضاربة بالأحوال العادية فمن الصعب لمسها بأقل من 24 ساعة ولكن حين تكون الأرضية مهيأة بالتلاعب يكون سهلاً وهذا ما ساهم بالانهيار السريع”.ولفتت المصادر إلى أنه “نظرًا إلى الواقع وبما أننا بفراغ سياسي فالأزمة المالية والنقدية من غير المنتظر أن تهدأ بل العكس فمن الممكن أن نذهب إلى منحى متصاعد وتؤدي إلى انفجارٍ اجتماعي فالحل يبدأ من تشكيل حكومة ،وطالما أن هذا الخيار غير متوفر فمن الصعب أن نلمس تراجعًا بحدة الأزمة الاقتصادية”.وفي ما يخص التفاؤل والحديث عن أموال من صندوق النقد الدولي تقدر بنحو 900 مليون دولار من المرتقب ضخها في لبنان، أكدت المصادر أن هذا الأمر أعطى السلطة راحةً نوعًا ما، بأن هناك المزيد من الوقت يمكن أن تستفيد منه ،ولكن هذا الأمر لم يوضحه بالضبط صندوق النقد فهو لم يحدد ما المقومات او الدوافع التي تدفعه لضخ هذه الأموال في لبنان ومن غير المنتظر أن يضخ صندوق النقد دولارًا واحدًا من دون أن يلمس نية حقيقية بتشكيل حكومة والمباشرة بالإصلاحات”.إذًا الدعم مرتبط بالإصلاحات كما تقول الحكاية والإصلاحات مرتبطة بحكومة فاعلة تستطيع أن تعطي ثقة للمواطن بالدرجة الأولى، فهل من حكومة تحديات، بالطبع ليست كـ”تحديات” حسان دياب، قادرة على إنقاذ ما يمكن انقاذه قبيل الانتخابات النيابية؟