كتب علي زين الدين في “الشرق الاوسط”: عكست المبادلات النقدية عبر الأسواق الموازية في لبنان، انطباعات ملتبسة بشأن التحسن المفاجئ بسعر صرف الليرة، في يوم عطلة رسمية.
ويعد هذا التطور النقدي مثيرا بكل المقاييس كونه يترجم الثقل النوعي للعامل النفسي في توجيه قاعدة العرض والطلب على العملات الصعبة في البلاد عبر انعكاسه التلقائي على تصرفات الصرافين المتجولين والمتعاملين والمدخرين للدولار في المنازل. كما يبين جسامة الخسائر الاقتصادية والنقدية التي تراكمت على مدى يقارب السنة جراء شبه الفراغ المحقق في السلطة التنفيذية والناجم عن تعميم أجواء تشاؤمية وارتفاع حدة المخاطر العامة، ربطا باحتدام الخلافات الداخلية عقب استقالة حكومة الرئيس حسان دياب وتشددها في تقنين مهام تصريف الأعمال. ثم تعثر تأليف حكومة جديدة برئاسة سعد الحريري.
وأفاد متعاملون في الأسواق، بأن تحفيز انكفاء طلب العملة الصعبة وميل مدخرين لعرض الدولارات النقدية، استند، على ما يبدو، إلى ترويج معلومات عن حصول تقدم نوعي قد يتبلور خلال اليومين القادمين بشأن استحقاق تكليف شخصية جديدة لرئاسة الحكومة من خلال إجراء الاستشارات النيابية المقررة يوم الاثنين المقبل.
وفي المقابل، لاحظ مسؤول مصرفي في اتصال مع «الشرق الأوسط» صعوبة التحقق من معطيات سوقية غير نظامية وتعتمد التسعير بالارتكاز إلى تطبيقات هاتفية وعبر وسائل التواصل الاجتماعي. إنما ينبغي الإقرار بأن المبادلات النقدية اليومية تتم فعلا، ومنذ فترة غير قصيرة، وفقاً لآليات هذه المرجعية شبه الوحيدة وما تظهره من أسعار لبيع العملات وشرائها. إذ أن العمليات النظامية محدودة عبر منصة التسعير التي أنشأها البنك المركزي. بالإضافة إلى تقييدها بشروط تتصل بعمليات الاستيراد وتلبية احتياجات مالية محددة وضرورية في الخارج.
ومع رصد «الشرق الأوسط» للسرعة العكسية بإرسال الإشعارات عبر التطبيقات الهاتفية والتي تبين التحسن المطرد لسعر الليرة كل ربع ساعة تقريبا، أكد المصرفي «أن العامل النفسي يؤثر تلقائيا في مجرى المبادلات الفورية، إنما الوقائع ستقرر بفحواها وبسرعتها الترقبات السوقية المتصلة بالشأن النقدي، باعتبار أن تأثير العوامل النفسية يبقى ظرفيا ومؤقتا. ولذا فنحن نتتبع المعطيات المتصلة بالملف الحكومي، ونتطلع إلى إثبات التحول صوب الانفراج الداخلي وترجمته بإعادة هيكلة خطة إنقاذ شاملة تتقدم بها الحكومة العتيدة إلى صندوق النقد الدولي. فمن دون تحقق هذه الشروط المترابطة موضوعيا، تتعذر الاستجابة المطلوبة للمجتمع الدولي ووعوده بالدعم والمساعدات التمويلية».
ويلفت إلى خطورة انحراف المعطيات الماثلة عن مسارها الإيجابي الذي تم تظهيره بعد ظهر اليوم (أمس) عبر تحليلات لمواقع إخبارية و«تغريدات» سياسية وإعلامية، بحيث ينقلب التأثير النفسي إلى نقيضه في إشعال مضاربات حادة تستعيد صعود الدولار إلى سقوف قياسية غير مسبوقة. فالأسواق متخمة أساسا بمؤشرات حال «عدم اليقين»، وأي تلاعب مستجد بالعوامل المؤثرة في التصرفات سيفضي إلى تأجيج أكثر حدة للفوضى النقدية التي قوضت الأمن المعيشي وتنذر بتداعيات اثقل من شأنها زعزعة الاستقرار الهش في البلاد.