أكثر من واضح، كان الرئيس المكلّف تشكيل الحكومة نجيب ميقاتي في كلامه الرسميّ الأول بعد استدعائه إلى قصر بعبدا لإبلاغه باختياره من قبل غالبية النواب للمهمّة التي يصفها البعض بـ”الانتحاريّة”، في ظلّ الظروف الصعبة التي تعيشها البلاد، وهي على “شفير الانهيار”، وفق تعبير الرئيس المكلَّف نفسه.
قال ميقاتي إنّه لا يملك “عصا سحريّة”، ولا يستطيع “فعل العجائب”. لعلّه بذلك اختار أن يكون “صريحًا” مع الرأي العام، قبيل مباشرته الاستشارات مع النواب وغيرهم لتأليف الحكومة، ولكن أيضًا أن يكون “واقعيًا” في مقاربته، فلا يبالغ في رسم “الأوهام” التي ذهبت بالبعض إلى حدّ رسم “سيناريوهات” عن تشكيلة جاهزة ومتَّفَق عليها لا ينقصها سوى “التوقيع”.لكنّ ميقاتي، وبالتوازي مع إقراره بصعوبة المهمّة، أكّد إمكانية إحداث “الخرق”، واضعًا لذلك عنوانًا عريضًا واضحًا ولا غبار حوله، ألا وهو “تعاون” جميع الفرقاء، بعيدًا عن “المناكفات والمهاترات” التي طبعت المرحلة السابقة، مستندًا بذلك إلى ما قال إنّها “ضمانات” حصل عليها، قد لا تكون كافية وحدها لتحقيق “الإنجاز”، لكنّها بالحدّ الأدنى تبعث على “الاطمئنان”.
مؤشّرات “مشجّعة”في المبدأ، وخلافًا لحديث رئيس “التيار الوطني الحر” الوزير السابق جبران باسيل خلال الاستشارات، عن “تجربة سابقة غير مشجّعة”، فإنّ معظم المؤشّرات التي أحاطت بيوم الاستشارات النيابية الملزمة الطويل في قصر بعبدا كانت “مشجّعة”، وفق ما يؤكّد العارفون، بشكلٍ يتيح البناء عليها للانطلاق في عملية التأليف، التي لن تكون يسيرة بطبيعة الحال.أول هذه المؤشّرات قد يكون في “الإجماع” لدى من سمّوا الرئيس ميقاتي، كما من لم يسمّوه، على وجوب الإسراع في تأليف الحكومة، لتعويض ما فات، وربما لـ”تثبيت” الأجواء الإيجابية التي انعكست تلقائيًا في الأيام الماضية على سعر الدولار في السوق الموازية، وهو أمرٌ قد يكون أساسيًا لوقف مسلسل التعطيل والعرقلة، وإن كانت “العبرة بالتأليف” وفق ما قال رئيس البرلمان نبيه بري، لا سيما أنّ الكلام سهل، لكنّ التطبيق يبقى الأهمّ.ثاني المؤشّرات يتمثّل في “الالتفاف الواسع” الذي حظي به ميقاتي من جانب معظم الكتل الكبرى والصغرى، باعتبار أنّ تكليفه قد يشكّل “الفرصة الأخيرة” للإنقاذ، علمًا أنّ كثيرين توقّفوا عند مفارقة تسمية “حزب الله” له، وهو مؤشّر له الكثير من الدلالات والمغازي، في مقابل اكتفاء “التيار الوطني الحر” بعدم تسمية أحد، متراجعًا عن “نيّة” تسمية السفير نواف سلام، وهو ما فُسّر على أنّه ينطوي على عدم رغبة بـ”المواجهة”، أقلّه حتى حين.ميقاتي “مستعجل”!بمُعزَلٍ عن حقيقة “النوايا” خلف ما قيل ويقال، في العلن والغرف المغلقة، فإنّ الأكيد وفق ما يؤكد العارفون أنّ ميقاتي “مستعجل” لتأليف الحكومة، ورغم أنّه يدرك أنّ الدستور لا يقيّده بأيّ مهلة، خلافًا لبعض الاجتهادات و”البِدَع”، لكنّه يعلم علم اليقين أيضًا أنّ المرحلة الحالية لا تتطلب “ترف” الانتظار، لا سيّما وأنّ “المكتوب يقرأ من عنوانه”، وسيكون بالإمكان استكشاف “الإرادة بالتأليف” أو “النوايا التعطيلية” منذ الأيام الأولى، ليبني عليها المقتضى.ولعلّ الأجواء الأولية التي أوحت بها استشارات بعبدا، وما سبقها وتلاها من اتصالات في الكواليس، توحي برغبة في “التعاون”، أكّدها رئيس الجمهورية برسائله “الإيجابية”، رغم إحجام فريقه السياسي عن تسمية ميقاتي، وهو ما دفع البعض إلى الحديث عن “ليونة ومرونة” قد تترجم في الأيام المقبلة، خصوصًا أنّ ميقاتي أبدى “انفتاحه” على الحوار والتفاهم مع الجميع، شرط البقاء تحت سقف الدستور، ووجود الإرادة الفعليّة بالتأليف وعدم التعطيل.وكان لافتًا أيضًا أنّ ميقاتي الذي تحدّث عن “ضمانات خارجية” اتّكأ في كلمته الأولى على “المبادرة الفرنسية” التي أصرّ على أنّ حكومته، إن نجح في تشكيلها، ستنفّذها، وهو ما استُتبِع ببيان فرنسي وآخر للاتحاد الأوروبي، لإعلان “أخذ العلم” بتكليف ميقاتي، وتجديد الدعوة لتشكيل “حكومة إصلاحيّة”، تكون “المفتاح” لعملية الإنقاذ، التي تتطلب بادئ ذي بدء حكومة قادرة على تنفيذ الإصلاحات، بمُعزَل عن الانتماءات والحصص وما شابهها.يؤكد ميقاتي أنّ المهمّة “صعبة”، مع ما تتطلّبه من “إخماد للحريق”، ويذهب آخرون، من الأصدقاء والخصوم، إلى حدّ اعتبارها “انتحاريّة”، في ظل الظروف الحالية، سواء قبل التشكيل، أو حتى بعده، إن تمّ، نظرًا للقرارات “الجريئة” المطلوبة من الحكومة. لكنّ الأكيد أنّ طريق الإنقاذ لا بدّ أن تمرّ من تشكيل الحكومة، وإلا تضيع فرصة أخرى على البلد، قد لا تتوافر غيرها، وهو ما سيضع الجميع في فوهة البركان!