4 آب ووأد التحقيق
عام على انفجار مرفأ بيروت، الاسئلة كثيرة، لكن لا إجابات. الهواجس أكبر. القلق مستديم. الخيبة تسكن نفوس أجيال تعيش في وطن الخيبة. قضى عام وما زال اللبنانيون يرددون الاسئلة نفسها: من أوعز لأبقاء حمولة باخرة نيترات الامونيوم في العنبر رقم 13 في المرفأ منذ عام 2014 ؟ من كان يعلم بها؟ ماذا عن سبب الانفجار؟، لكنهم في الوقت نفسه مدركون لحقيقة واحدة أن هذه المنظومة الحاكمة لن تسمح للعدالة أن تبصر النور مهما كان الثمن، فأحد لن يحاكم، والحصانات لن ترفع، واقتراحات القوانين التي تطرح وتقدم ليست إلا تفخيخاً للمسار القضائي عن سابق تصور وتصميم. فعلى سبيل المثال فإن المهلة الممنوحة للهيئة المشتركة المحدّدة بأسبوعين قد انقضت، واقتراح تعليق الحصانات يتطلّب تعديلا دستورياً.
الأكيد أن أهالي ضحايا انفجار الرابع من آب والجرحى على وجه الخصوص لا يريدون أن يسمعوا خطابا سياسيا من مراجع رسمية في هذه الذكرى الأليمة او يقرأوا بيانات وتغريدات نواب ووزراء يطفو على غالبيتها “النفاق السياسي”، فأداء المعنيين بمعظمهم منذ الفاجعة حتى اليوم طغت عليه العرقلة لمسار الحقيقة، فهؤلاء وعدوا بأن نتائج التحقيق ستصدر خلال خمسة أيام، بيد أنهم أعاقوا مجريات التحقيق، فحتى الساعة ليس محسوماً أن يستمر المحقق العدلي القاضي طارق البيطار في مهمته، فالطبقة السياسية تواظب على وضع العصي في دواليب التحقيق قطعا للطريق على رفع الحصانات عن شخصيات سياسية وأمنية يٌفترض ان يُستمع إليها لكونها تولت حقائب أساسية ذي صلة بالمرفأ، بعد أن نجحت في عزل القاضي فادي صوان لأنه وجه اتهامات إلى رئيس وزراء ووزاء، فهي ترى في استدعاءات القاضي بيطار استهدافاً سياسياً وتطالبه بنشر الملف التقني والتحقيق الفني حول الحادثة، بيد أن بيطار لم يرضخ للمطالبات السياسية ولم يزود المجلس النيابي بأي مستند إضافي.
هنا لا بد من الإشارة إلى تضارب وتباين في المواقف بين حزب الله الذي أوحت مواقف الامين العام لحزب الله السيد نصر الله الاخيرة عن مجريات التحقيق، بأنه منزعج مما يعتبره الحزب “الاستنسابية” في اختيار الاسماء للاستجواب في قضية انفجار المرفأ، وبين رئيس الجمهورية العماد ميشال عون الذي يؤكد أن لا عذر لأحد بأن يمنح نفسه أي حصانة، أو يتسلح بأي حجة، قانونية كانت أم سياسية ، كي لا يوفّر للتحقيق كل المعلومات المطلوبة لمساعدته في الوصول إلى مبتغاه خاصة وأنه وبصفته رئيس البلاد وضع نفسه بتصرف القضاء لسماع إفادته.
كل ذلك، يقود إلى أن مجريات الأمور من المجلس النيابي وصولاً إلى الاجتهادات والاقتراحات لا تهدف إلا إلى وأد التحقيق، فرغم هول انفجار 4 اب فإن الهوة واسعة بين أركان السلطة حيال التحقيق المنشود وكشف الحقيقة، تقول مصادر سياسية لـ”لبنان 24″، عطفاً على الخلافات السياسية التي قد تطيح بعمل القضاء، فهي أطاحت بكل مقومات البلد، وها هي اليوم تعطل تأليف حكومة رغم مناشدات المجتمع الدولي، فهذه المنظومة تتعاطى اليوم وكأنها أعادت إحياء نفسها من جديد بعدما هزت ثورة 17 تشرين عروش أركانها، ربما لأن المناشدات والدعوات الغربية لم ترق جدياً إلى مستوى الضغوطات الخارجية على المعرقلين والمعطلين للتشكيل الذي لن يبصر النور من دون تدخل دولي كبير.
ليبقى الأكيد، أن المؤتمر الدولي الذي تنظمه باريس اليوم تزامناً مع الذكرى السنوية الأولى لانفجار مرفأ بيروت قد يكون ضرورياً للحد من الارتطام الكبير في لبنان شرط أن تذهب أمواله إلى الشعب، لكن الأهم، وفق المتابعين، توجه المجتمع الدولي إلى معاقبة الرسميين اللبنانيين المتورطين في الانتهاكات الحقوقية المستمرة المتعلقة بالانفجار والسعي إلى تقويض المساءلة، كما ورد في تقرير “هيومن رايتس ووتش على اعتبار أن هذه العقوبات تؤكد ان البلدان التي تطبق قوانين ماغنيتسكي العالمية، وغيرها من أنظمة عقوبات حقوق الإنسان والفساد، ملتزمة بتعزيز المساءلة عن الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، وتوفر قوة إضافية لأولئك الذين يضغطون من أجل المساءلة من خلال الإجراءات القضائية المحلية.
المصدر:
لبنان 24