إنّه “أسبوع الحسم الحكوميّ”. لعلّها النقطة الوحيدة التي “تتقاطع” عندها سلسلة التسريبات المتلاحقة والمتسارعة منذ أكثر من يومين، في ملفّ تأليف الحكومة، والتي تتفاوت بين من “يغدق” في الإيجابية، لحدّ توقع ولادة حكوميّة في غضون ساعات قليلة، ومن يلجأ إلى “التشاؤم” المُطلَق، ليرسم “سيناريو” اعتذار، بات شبه جاهز، ولا ينتظر سوى “الإخراج” المناسب، إن جاز التعبير.
بالنسبة إلى “المتفائلين”، فإنّ الأمور باتت على أعتاب “الخاتمة السعيدة”، التي ستفرزها الزيارة المقبلة للرئيس المكلَّف نجيب ميقاتي، حيث سيقدّم لرئيس الجمهورية التشكيلة الموعودة بناءً على الاتفاقات المُسبَقة بينهما، مع انفتاح على النقاش بشأنها، بما يسمح بتصاعد “الدخان الأبيض” بعد الزيارة إيذانًا بولادة الحكومة التي انتظرها اللبنانيون طويلاً، وأدرك طرفا الصراع أنّ لا مجال للخروج من الأزمات سوى من خلالها.
في المقابل، يعتقد “المتشائمون” أنّ كمّ الخلافات بين الجانبين الذي ظهر في الأيام الأخيرة “غلّب” منطق الاعتذار على التأليف، بخلاف ما كان عليه الوضع قبل أسبوع مثلاً، حين قال الرئيس ميقاتي إنّ الأرجحيّة لا تزال ميّالة نحو إنجاز المهمّة. ويقول هؤلاء إنّ الرئيس المكلف الذي يرفض “استنساخ” تجربة الحريري، يصرّ على حسم أمره قبل نهاية الأسبوع، ويرفض الرضوخ لتأجيل إضافي، لن يقدّم أو يؤخّر شيئًا.هل ينفع “التريّث”؟بين المتفائلين والمتشائمين، ثمّة فريق ثالث لا يقلّ وزنًا، هو فريق “المتريّثين”، الذين يعتقدون أنّ “أسبوع الحسم” سينضمّ لأسابيع كثيرة سبقته، منذ عهد الحريري، ووُصِفت بالمفصلية والحاسمة، لكنّها انتهت بلا حسم ولا من يحزنون، لأنّ الأمور لم تكن قد نضجت بعد، ما يتطلب المزيد من الدرس مع التأنّي الذي يحمل خلفه “السلامة”.بالنسبة إلى فريق “المتريّثين” هذا، فإنّ الأمور لم تُحسَم بعد بشكل نهائي، لكنّها لم تُقفَل أيضًا، وبالتالي فإنّ إمكانية “التلاقي” بين الرئيسين عون وميقاتي أكثر من متوافرة، لا سيّما أنّ الأجواء بينهما لا تزال “إيجابية” إلى حدّ بعيد، رغم بعض “التحفّظات” التي برزت في الأيام الأخيرة، والتي تعمّدا عدم إخراجهما إلى العلن، كما كان يحصل مثلاً في مرحلة تكليف الحريري، يوم كانت البيانات النارية تتوالى بين المكاتب الإعلامية.ثمّة لدى أصحاب منطق “التريّث” وجهة نظر أخرى، تتحدّث عن “توافق” على إرجاء الحكومة، إلى ما بعد حسم بعض الملفّات الختامية، أو بالحد الأدنى تمرير “قطوع” البواخر الإيرانية، فضلاً عن رفع الدعم، بحيث تتصدّى حكومة تصريف الأعمال للتداعيات والتبعات السياسية والقانونية والشعبية، فتأتي الحكومة المقبلة لتعالج الوضع الذي يمكن أن ينشأ عن ذلك، بدل أن تكون في “الواجهة”.الحسم آتٍ!لكنّ هذا الرأي لا يتبنّاه أحد من العاملين على خط التأليف، ممّن يؤكّدون أنّه لا يدخل فعليًا في “الحسابات” الحكوميّة المطروحة على الطاولة، خصوصًا في ظلّ الاعتقاد بأنّ “واجب” الحكومة هو التعاطي مع هذه “الاستحقاقات” الآتية، خصوصًا أنّ القاصي والداني يدرك أنّ وجود حكومة أصيلة قادرة على اتخاذ القرارات وتنفيذها يبقى الأهمّ لتمرير هذه المرحلة، بأقلّ الأضرار الممكنة.قد يكون هذا “الاعتبار” بالتحديد هو ما يجعل البعض يتمسّك بمقولة “اقتراب الحسم”، لا سيّما أنّ الرئيس المكلّف أعلنها صراحةً منذ اليوم الأول لتكليفه أنّه لن يبقى في موقعه “إلى ما شاء الله”، وأنّه يقيّد نفسه بمهلة “معقولة”، ولو لم ينصّ الدستور على شيءٍ من هذا القبيل، وهو يدرك اليوم أكثر من أيّ وقت مضى، أنّ “تمديد” هذه المهلة قد لا يكون الحلّ، بل قد يفتح المجال أمام المزيد من المماطلة.انطلاقًا من ذلك، يؤكد العارفون أنّ “الحسم آتٍ”، وقد يكون قاب قوسين أو أدنى، علمًا أنّ الرئيس المكلّف لا يزال يبدي كلّ الانفتاح والمرونة، مع تمسّكه بثوابته المعروفة، وعلى رأسه رفض منح أيّ فريق الثلث المعطّل أو ما شابه، ما يدفع للاعتقاد بأنّ “الإيجابية” يمكن أن تغلب في النهاية، خصوصًا أنّ “تداعيات” الفشل أو الاعتذار ستكون أكبر من قدرة أيّ فريق على تحمّلها، في ظلّ الوقائع الحالية.قد يكون مفهومًا أن تتفاوت المعطيات الحكومية حدّ التناقض، بالنظر إلى تمسّك الرئيس المكلّف بمقولة “خير الكلام ما قلّ ودلّ”، و”استعينوا بقضاء حوائجكم بالكتمان”. لكنّ الأهمّ من هذا “الصمت”، بالنسبة إلى اللبنانيين، يبقى أن ينجح الرئيس المكلف في جرّ جميع الأطراف، إلى “الرضا” بالشراكة الحقيقية، التي تشكّل “الوصفة المثالية” لولادة الحكومة التي يتطلّع إليها جميع اللبنانيين!