بعيدا عن كل التسريبات التي تحدثت عن عدم انطلاق الباخرة الايرانية بعد، غير ان المعطيات تؤكد انها باتت تبعد عدة ايام عن الوصول الى البحر المتوسط وعليه فإن تداعياتها السياسية حتمية لا مفر منها، خصوصا في حال كان اتجاهها السواحل اللبنانية وليس السورية، وهذا ما هو متوقع.
يحقق “حزب الله” عدة اهداف من استقدامه باخرة النفط الايرانية الى لبنان، لكن اهمها فرضه معادلة ردع سياسية بينه وبين الاميركيين تقول بأنه كلما زادت الضغوط على لبنان لاضعاف الحزب، كلما زاد الحزب من انخراطه الاقتصادي، وقام بما يشبه ملء الفراغ الاستراتيجي الناتج عن الانهيار في لبنان.لكن حسابات الحزب، والتي قد تكسبه سياسيا، ستكون مترافقة مع ردود فعل سياسية واضحة، ففي الداخل قد يتعرض الحزب لهجوم سياسي واعلامي كبير لم يشهد مثله منذ العام ٢٠٠٥، اذ ان خصوم الحزب باتوا محرجين امام بيئاتهم الحاضنة وهذا الاحراج لا يمكن رده الا من خلال تعويم الجانب السياسي لخطوة الباخرة على حساب الجانب المعيشي.
في المقابل، يبدو حلفاء الحزب اكثر ارتياحا للخطوة، وخصوصا “التيار الوطني الحر” وهنا يظهر الخطأ الاستراتيجي للاميركيين بفرض عقوبات على رئيس التيار جبران باسيل الذي يبدو انه غير منزعج من قدوم الباخرة لا بل ان نوابه يهللون لها على وسائل الاعلام، اذ لا شيء يردع التيار اليوم ولا خوف من عقوبات يُلوَّح بها،لان هذه العقوبات قد فرضت اصلا.على صعيد تشكيل الحكومة، فسيتحمل الحزب، اعلاميا على الاقل المسؤولية في حال فشلت عملية التشكيل لاي سبب من الاسباب، فجزء من الرأي العام قد يرى ان تصعيده بإستيراد النفط الايراني قد ادخل لبنان في متاهات المواجهة مع واشنطن ما قد يفشل عملية التشكيل بعد ان كانت سالكة.كل هذه التداعيات الداخلية سيكون تأثيرها على الحزب محدودا اذا ما قورنت بالانعكاسات الايجابية عليه، سواء شعبيا او لجهة التغلغل الاستراتيجي في اطر الدولة العميقة، لكن كل ذلك مرهون بنجاح التجربة وليس فقط بوصول الباخرة. اما التداعيات الخارجية فيمكن اختصارها بعبارة عقوبات، لكن السؤال هل هذه العقوبات حتمية؟ لم يظهر حتى اللحظة اي سلوك اميركي يوحي بالاتجاه الذي ستأخذه واشنطن للرد على خطوة الحزب، فالبعض يقول ان الاميركيين يراهنون على فشلها لوجستيا، الامر الذي يجنبهم احد خيارين احلاهما مر، وهما اولا تخفيف الضغوط وتحويلها الى ضغوط على دول اخرى لكي تساعد لبنان وتنقذه، وهذا ما سيريح “حزب الله” في الداخل. اما الخيار الثاني فهو الاستمرار في الضغوط ما سيفتح امام الحزب بابا واسعا لملء الفراغ وتحويل انخراطه في قطاعات الاقتصاد الى امر واقع.. للباخرة الايرانية اذن تداعيات كثيرة ستتكشف تدريجا ، خصوصا انها قد تفتح مسارا يستغله الحزب للتوجه شرقا بمعزل عن الدولة او عبرها، وهذا مرهون ايضا بردود الفعل وليس فقط بالفعل نفسه.