إفتراضيًا نسأل: ماذا لو إعتذر الرئيس المكّلف نجيب ميقاتي، مع أن هذا الأمر ليس واردًا في الوقت الحاضر؟ هذا ليس إستنتاجًا، بل هذا ما قاله الرجل.
لماذا لن يعتذر، وهذا هو المرجّح؟
وماذا لو إعتذر، في حال وصول الأمور إلى الطريق المسدود؟
الجواب عن السؤال الأول بديهي. من يعرف الرجل عن قرب يعلم أنه يشتدّ صلابة وقوة عند المحن والشدائد. هو لن يستسلم بسهولة. يقاتل حتى آخر نفس. يعطي المساعي التي يقوم بها مداها الأقصى. يسعى ولا يكّل. “يحارب” على أكثر من جبهة. الوسائل مهمّة، ولكنها ليست أهمّ من الهدف. الهدف واضح بالنسبة إليه، وكذلك الحلول الممكنة. يؤمن بأن لبنان سينهض من كبوته، ولو بعد حين. يرى مقتنعًا أنه من غير الطبيعي أن يبقى الوضع على هذه الحال المتدهورة وغير المستقرّة، ومن غير المقبول أن يبقى اللبناني رهينة جشع بعض التجّار الذين يغطّون أعمالهم بعض أصحاب النفوذ من أهل السياسة. ومن غير المنطقي ألا تلوح في الأفق بوادر حلول ممكنة ومتدرّجة.
المهمّ بالنسبة إلى الرئيس المكّلف أن يتمّ التوافق على تشكيل الحكومة، وأن تزول كل العراقيل من طريقها. فهو لم يقبل بهذه المهمّة لو لم يكن يدرك أن في إستطاعته تدوير الزوايا من دون المسّ بالثوابت. لقد تمّ تكليفه من قبل أغلبية نيابية، وهو مسؤول أمام من كلّفه ومن لم يكّلفه من النواب. وهو المسؤول الأول والأخير عن سياسة الحكومة، وهو الذي يرسم لها هذه السياسة من خلال بيانها الوزاري الذي على أساسه ستنال الحكومة ثقة المجلس، وعلى أساسه ستعمل.
وعلى رغم إصراره على إنجاح مهمّته فإنه يدرك حجم العراقيل التي ستواجه مهمّته هذه، سواء في عملية التأليف أو في المسيرة الإصلاحية. فالوضع صعب ومتشعب. والحلول الممكنة تتطلب تضافر كل الجهود، إذ لا يغيب عن البال أن ثمة أطرافًا قد يكونون متضررين من إستعادة الدولة، بمؤسساتها وقطاعاتها الإنتاجية، عافيتها الطبيعية.
لكل هذه الأسباب لن يعتذر الرئيس ميقاتي إلاّ إذا طرأت مستجدّات لم تكن في الحسبان، أو إذا وجد نفسه أمام بعض من يصرّ على أن العنزة عنزةً حتى ولو طارت. عندها يكون لكل حادث حديث. وساعتها يُبنى على الشيء مقتضاه.
أمّا في حال الإعتذار فماذا سيحّل بالبلد؟
أولًا، من المرجّح أن أي شخصّية سنّية أخرى لن تقبل بالتكليف حتى ولو كانت قريبة جدًا من العهد وتوجهاته، لأنها ستجد نفسها منزوعة الغطاء الشرعي من قبل طائفتها بمرجعيتيها السياسية والدينية. وهذا ما يُدخل البلاد في حال فراغ على مستوى السلطة التنفيذية بما أن حكومة تصريف الأعمال هي حكومة صورية، أي أن وجودها وفعاليتها لا يتعدّيان إلتقاط الصور.
ثانيًأ، تصبح أي إمكانية لإيجاد الحلول المقبولة والمعقولة، والتي لا تزال متاحة حتى الآن، متعذّرة، إن لم نقل مستحيلة. فمن دون حكومة كفريق عمل متجانس ومتوازن تمثيليًا، ومعبّرًا عن هموم الناس وتطلعاته لا يمكن تحقيق أي إنجاز. وسيبقى القديم على قدمه، وسيبقى الوضع المهترىء على حاله، إن لم يكن أسوأ. الحكومة بمواصفات باتت واضحة هي وحدها الحلّ، أو بداية الحل. فإن لم تتشكّل هذه الحكومة اليوم قبل الغد فإن المساعدات الخارجية الموعود بها لبنان لن تبصر النور ولن تأتي لا اليوم ولا غدًا. وسيُترك لبنان يتخبّط بأزماته التي ستتوالد وتتكاثر إلى حدود اللامعقول.
ثالثًا، سيبقى العهد حتى نهايته من دون حكومة، وستُجرى الإنتخابات النيابية، إن جرت، من دون حكومة أصيلة. وهذا يعني تحقيقًا لأمنيات بعض الذين يصرّون على أن تكون حقيبتا الداخلية والعدلية من حصتهم، بعدما باتوا يخافون من حكم الناس، ومن نتائج صندوقة الإقتراع.
إن 8 أيار 2022 لناظره قريب؛ ومن يعش يرَ.