لا فخ في العنوان أعلاه.
لا شك أنه سيثير دهشة المصابين بـ”نشوة الانتصار” من الزيارات “البالونية” اللبنانية إلى دمشق وسيحفز فضولهم لقراءة النص، بحكم أن كاتبه يعارض العلاقة جهارة، لكنه في الوقت نفسه يسلّم بوجوب الاعتراف بأن علاقة لبنان بسوريا هي حاجة حقيقية لبيروت ودمشق.
وأي عاقل في لبنان، سيادياً كان أو ممانعاً، يدرك تماماً، استراتيجياً وعربياً وجغرافياً وتاريخياً، أن الروابط القوية بين البلدين من شأنها أن تحمي شعبيهما من العواصف الإقليمية والدولية ومن الأجندات الشيطانية.
الحاجة إلى علاقة بسوريا الشعب والدولة والجغرافيا والهوية.
لا حاجة إلى علاقة بنظام يقدّس كرسي السلطة ويقدم لها مئات ألوف الأضاحي من شعبه حتى صار مدمناً على الدماء والجثث والأشلاء… نظام يرفض الاعتراف بالكيان وبلبنان السيد والمستقل، ولا يبالي بمسؤوليته عن جرائم ارتكبت بحق اللبنانيين.
دعونا نبتعد عن حديث الخطب السياسية و”الفقاعات الهوائية” حول الامتداد الجغرافي أو سطحية الحديث عن “بلاد الشام”.
ثمّة فئة واسعة من اللبنانيين تعتبر أن النظام السوري عدو لها، وتراه نظاماً خبيراً في القتل والتعذيب والتدمير. تعالوا نأخذ نموذجاً في الاتفاقيات بين طرفين غير متجاورين.
بين دولة الإمارات العربية واسرائيل، فالأولى نجحت في أن تصوغ اتفاقيات تحمي فيها بلادها وتعزّز سيادتها وباتت اتفاقية السلام من أوراق القوةّ الإماراتية وبضمانات دولية في مقدمتها الولايات المتحدة.
طبعاً لا يجوز إسقاط الأمر لبنانياً على إسرائيل، فأي اتفاقية سلام بين لبنان وإسرائيل لها شروطها كحل الدولتين وحق العودة والأرض مقابل السلام وفق المبادرة العربية،
ودفع الفواتير جراء الارتكابات التي قامت بها اسرائيل، وربما يخضع ذلك لاستفتاء شعبي. هذه ليست مقارنة أو مقاربة في فن المفاوضات وفض النزاعات وحل الصراعات، إنما لتأكيد مبدأ المصالح المتبادلة في أي تطبيع علاقات، علماً أن المفارقة الأكبر أن في الامارات لا يوجد ميشال عون وجبران باسيل وحزب الله.
بكل الأحوال، المعروف أن السلام الدائم بين لبنان واسرائيل من ضروب المستحيل، لكن ما هو أقل استحالة أن يوقّع لبنان اتفاقية مع النظام السوري من دون رعاية دولية وضمانات أكيدة.
أمر صعب لكنه ليس مستحيلاً، فلنفترض أن القوى الدولية والاقليمية أعلنت “شللها” أمام خيار إبقاء النظام السوري، وباعت الشعب وعوّمت شرعية بشار الأسد، ولم تحاسبه على الجرائم التي ارتكبها، عندها سيكون لبنان وحيداً في مواجهة هذا النظام وعقيدته وعقدته القائمة على اعتبار لبنان محافظة من محافظاته. كيف يجب أن يتعاطى لبنان مع الموضوع؟
الجواب: في حال عاد المجتمع الدولي إلى سوريا وأعادت الدول العربية بشار الأسد إلى جامعتها، فإن على لبنان أن يرفع من حجم المقاطعة ويطرد السفير السوري في لبنان، ضمن رحلة عنوانها “الكرامة والسيادة” وهدفها مزدوج: فرض سيادة لبنان بوجه العقيدة والعقدة السورية وإعادة العلاقات بالنظام ضمن اتفاقية متكاملة.
ماذا تتضمن الاتفاقية لبنانياً؟
تسليم كل فرد، مهما علا شأنه، له أي ارتباط من بعيد أو من قريب باغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري.
تسليم كل فرد مهما كانت صفته، ورد اسمه في مذكرات لبنانية صدرت عن القضاء اللبناني وحددت هوية مفجّري مسجدي التقوى والسلام في طرابلس، فقيمة اللبناني كبيرة وسقوط 55 شهيداً ليس أمراً عادياً بين دولتين. هناك دول تشن حروباً من أجل استعادة جندي واحد، فما بالُك بوجود 55 شهيداً؟
تسليم كل فرد، مهما علا منصبه، كان متورطاً وذا علاقة بميشال سماحة ناقل المتفجرات والتي كادت أن توقع مئات الشهداء والجرحى وتخلق فتنة مذهبية لا أحد يعرف بدايتها ونهايتها.
تشكيل لجنة لبنانية – سورية – أممية لإعادة كل لبناني، حياً كان أو ميتاً، اعتقلته أجهزة النظام السوري.
فتح الحدود لعودة اللاجئين السوريين ضمن خطة تضمن عدم تعرضهم لأي ضغوط سياسية أو أمنية أو توقيفات مع ضمان حقوقهم المدنية وأملاكهم في سوريا.
ترسيم الحدود الشرقية وحل النزاع حول مزارع شبعا من ناحية لبنانيتها او عدمه بخرائط موثّقة ورسمية من الطرفين على طاولة الأمم المتحدة.
حلّ المجلس الأعلى اللبناني – السوري، فلا حاجة له بوجود سفارتين بين بلدين مستقلين.
استجرار الغاز المصري من الاردن مروراً بسوريا وصولاً الى لبنان حاجة للبنانيين، وفي الوقت نفسه تستفيد منه دمشق.
لكن ذلك لا يلغي صفات الاشخاص وتاريخهم.
سبعة مطالب “على الأقل” يجب أن يقوم بها النظام السوري، ليفتح صفحة بيضاء مع لبنان.
وإن فعل… فأهلاً وسهلاً بالعلاقة معه، وإن لم يفعل فمقاطعته حلال… مقاطعة مع الانتظار على ضفة النهر.