يغرق لبنان اليوم في وحول السياسة ومتطلباتها من أدوات التدمير والتخريب الآخذة بالعبث بالبلاد والعباد وبوتيرة سريعة في السنوات الأخيرة، لكن لا بد من النظر الى ما هو أبعد من الوحول الحالية والأزمات الانية، فما يحصل اليوم لا يشبه لبنان ولا اللبنانيين، ما يشبههم هو حياة مفعمة بالثقافة والفنون والكتب والامسيات والمهرجانات.
ولهذه الحياة الملونة، وجوه مبتسمة ممتدة على مساحة الوطن من اقصاه الى ادناه، ومنها وجه جبيليّ تحوّل مع الزمن الى علامة فارقة ضج بالحيوية والنشاط وعمل دون كلل أوملل لتحويل مهرجانات جبيل الدولية الى ملتقى حضاري يجمع الشرق بالغرب والاجيال والتوجهات المختلفة والمتعددة.بعد صراع طويل مع مرض عضال، رحلت اليوم الرئيسة السابقة لمهرجانات جبيل الدولية لطيفة اللقيس ومعها تطوي مدينة جبيل ويطوي لبنان صفحة مشرقة من صفحات الثقافة والفن والجمال.
لطيفة اللقيس هي ابنة عائلة جبيلية عريقة ومنفتحة، تربت في أسرتها على حب الوطن والمواطن وعلى أهمية الوحدة والانصهار بين اللبنانيين، وهذا ما عاشاته في منزلها من خلال زواج مشترك شهدت عليه العائلة واحتضنته.تعتبر اللقيس من اوائل فتيات جبيل اللواتي تخرجن من الجامعة اللبنانية والتي عملت فيها كأمينة سر لرئيس الجامعة.بعد تقاعدها من الجامعة اللبنانية، انتخبت بالاجماع ولمرات عديدة رئيسة لمهرجانات جبيل الدولية ، وتميزت بحسن ادارتها وثقافتها الواسعة وتعاملها الجدي والرصين في مختلف الظروف التي مرت بها مهرجانات جبيل.كما عرفت اللقيس بحسها الانساني والنضج والدراية وحبها للحياة والاصدقاء.في السنوات الاخيرة وعلى الرغم من مرضها والالام الكثيرة التي تحملتها، استمرت اللقيس في متابعة مختلف الانشطة الثقافية بفرح وشغف.يسجل للطيفة اللقيس خلال ادارتها لمهرجانات جبيل الدولية، انها تمكنت من اعادة الازدهار الى صفوفها عبر استضافة مروحة واسعة من الفنانين العالميين، بالاضافة الى الامسيات الفنية اللبنانية التي تعانق على صدى الحانها بحر مدينة الحرف بسمائها.عباس مرتضى:مع رحيل السيدة لطيفة اللقيس، يخسر لبنان وجها مضيئا ونشيطا جديدا، فهي من خلال عملها ومكانها استطاعت ان تترك بصمة جميلة، اذ حوّلت مدينة جبيل عبر المهرجانات الى ساحة ثقافية والى قبلة للفنون والحياة والتلاقي الحضاري.واليوم في ظل الأزمات المتلاحقة، وفي أحوج الظروف الى المثقفين والمثقفات يخسر لبنان ومعه وزارة الثقافة السيدة لطيفة اللقيس التي نسأل الله سبحانه وتعالى ان يدخلها فسيح جناته.الهام كلاب البساطلطيفة اللقيس شخصية لها بصمتها الخاصة والمشعة في جبيل ومهرجاناتها الدولية، متميزة بحضورها الانيس وبقدرتها التنظيمية ورهافة ذوقها ونضجها الانساني وبالمودة الوفاء لصدقاتها. نحن اليوم في حزن كبير مترافق مع سلة من الذكريات التي تبدأ من مقاعد الدراسة في مدرسة الحيّ في جبيل ولا تنتهي عند ليالي مهرجانات جبيل وهمومها وأفراحها.يعز علينا ان يترافق غياب لطيفة اللقيس مع غياب قسري لكل عمل فني وثقافي في لبنان… لطيفة فالتسترح نفسك بسلام.