يشعر حزب الله بارتياح تجاه تشكيل الحكومة بغض النظر عن تقييم هذا الوزير أو ذاك، إذ أنه يدرك جيدا أن الولادة القيصرية للحكومة إنما خضعت لتوازنات دقيقة، تحول دون أن يمتلك أي طرف القدرة على تصنيف الحكومة في جعبته، كما أنه من الباكر أن يستعجل البعض في تقييم الوزراء من ناحية امكاناتهم وقدراتهم وقناعاتهم.
إن صناعة القرار التنفيذي في هذه الوزارة سيخضع، وفق مصادر مطلعة، لتكييفات جماعية تعكس تفاهمات الكتل الممثلة في الحكومة في ما بينها. وتفرض المسؤولية الوطنية على القوى السياسية أن تخفض من سقف مواقفها لا سيما وأن سياق الأزمة الاقتصادية والمالية التي تمر بها البلاد بلغ مرحلة متقدمة من الخطورة يستدعي العجلة في إنجاز التفاهمات وإعداد الخطط واتخاذ القرارات المطلوبة، كما أن المعطيات التي يقوم عليها تطور الأزمة المالية والاقتصادية باتت في حالة من التجاوز الواقعي لكثير من الحساسيات التي كانت تحيط بموقف بعض الكتل من شروط صندوق النقد الدولي. فقد بات البلد في موقع مغاير عما كان عليه في بداية الأزمة وبات الإنقاذ هو العنوان الذي يجب أن يضلل مختلف المواقف والسياسات.
ثمة تحديات كثيرة تفرض نفسها على جدول أعمال هذه الحكومة، بدءا من المفاوضات مع صندوق النقد الدولي مرورا بتحريك المساعدات الدولية وفي طليعتها ما يتصل بمؤتمر سيدر وإعادة إنجاز خطة التعافي المالي الاقتصادي التي تتضمن إجراءات المعالجة المرحلية والاستراتيجية بما فيها إعادة هيكلة القطاع المصرفي ووضع أرقام نهائية لتقدير الخسائر وتوزيع أعبائها بداية على الشرائح المختلفة والقيام بمراجعة جوهرية للاقتصاد الوطني، مضافا إلى كل ذلك الإعداد للانتخابات النيابية المقبلة وربما البلدية أيضا.لا يخفى أن هذه المهام هي مهام كبيرة وجسيمة وبعضها شديد التعقيد مثل خطة التعافي المالي والاقتصادي، بيد أن الواقعية تفرض، بحسب المصادر، عدم المبالغة في حجم التوقعات إذ أن الحكومة في حال تمكنها من وضع حد لمسار الانحدار المالي والاقتصادي القائم وإعادة شيء من الاستقرار النسبي لسعر الصرف وإنجاز الانتخابات النيابية، فإن ذلك سيعتبر إنجازا مهما يتيح لهذه الحكومة أن تجاهر بنجاحها في مهامها المفترضة، وربما بالإضافة إلى ذلك قد تتمكن من إعداد خطة التعافي التي تهدف إلى إعادة الساحة اللبنانية إلى وضعيتها الطبيعية وتجاوز آثار الأزمة وإطلاق مناخات الثقة وعجلة التنمية الاقتصادية- الاجتماعية، بيد أن التحدي الأكثر تعقيدا هو في تشكيل مظلة توافق وطني حول هذه الخطة، أما تطبيق هذه الخطة ووضع بنودها موضعا اجرائيا، فيبدو أنه يحتاج إلى ما يتجاوز الوقت المقدر لعمر هذه الحكومة وفقا لسقف الانتخابات النيابية المقبلة.ما يهم حزب الله في هذا السياق، وفق المصادر المطلعة، هو أن تتمكن الحكومة من احتواء الأزمة والحؤول دون المزيد من التدهور الذي يفضي إلى الارتطام الكبير والفوضى الشاملة والعمل على إجراء سلس للانتخابات النيابية المقبلة والتي يتمسك حزب الله بإجرائها في موعدها المقرر. من ناحية أخرى، لا يشعر حزب الله، بحسب هذه المصادر، بأي قلق أو إبداء تحفظ تجاه طرق الحكومة أي أبواب عربية أو دولية طلبا للمساعدة وبصورة خاصة في ما يتصل بقطاع الكهرباء بهدف تأمين التمويل اللازم لتنفيذ خطة العام 2011، وإنجاز المعامل المطلوبة ولن يكون عقبة أمام أي مساع تبذلها الحكومة أو رئيسها لترميم علاقات لبنان العربية وفتح منافذ التعاون، لكن ثمة حذر تمليه التجارب السابقة تجاه انجرار بعض القوى إلى المناكفات السياسية والتلطي خلف المصالح الضيقة والطائفية، الأمر الذي في حال حصوله سيشكل نكسة كبيرة في فاعلية الحكومة وقدرتها على إنجاز جدول أعمالها.