قد يندهش البعض للسرعة القياسية التي تم فيها تحديد موعد لزيارة رئيس مجلس الوزراء نجيب ميقاتي لباريس. ولكن من يعرف الرجل وكيف يعمل وكيف يتابع أدّق التفاصيل يدرك أن هذا هو أسلوبه القائم على مبدأ “لا تؤجّل عمل اليوم إلى الغد”، وأضرب الحديد وهو حامٍ.
من تسنّى له متابعة نشاطه الرئاسي حتى قبل أن تُعطى حكومته الثقة لا بدّ من أنه لاحظ أنه لا يهدأ قبل إكمال ما يجب القيام به. فالظرف الذي يمرّ به لبنان يقتضي التعامل معه بهكذا نوع من العمل الدؤوب من دون كلل أو ملل، مع متابعة دقيقة لعمل كل وزارة على حدة، وكل ما له علاقة بإمور الناس وحياتهم اليومية. الوضع إستثنائي ويستلزم عملًا إستثنائيًا أيضًا. فهو لا يرتاح ولا يدع غيره يرتاح.
ولأن فرنسا، بشخص رئيسها إيمانويل ماكرون، كانت المبادرة قبل أكثر من سنة لمدّ يد المساعدة للبنان لإنتشاله من أزماته، كان من الطبيعي أن تكون أول زيارة للرئيس ميقاتي للعاصمة الفرنسية. وهي لن تكون الأولى والأخيرة، بل ستليها زيارات أخرى إلى أكثر من عاصمة عربية ودولية. وهذه الزيارات ستراكم حتمًا القيمة الإضافية لأي مساعدة ممكنة قد ترد من أي دولة، شقيقة كانت أم صديقة، وهذا ما يُعّول عليه في المرحلة القريبة المدى. وهذه المساعدات غير المشروطة وغير المرتبطة بأي إستحقاق سياسي أو أمني أو إقتصادي ستساعد لبنان كثيرًا لكي يستطيع أن يقف على رجليه من جديد، ولكي يتسعيد ما فقده من مقومات صمود وإستمرارية.
الرئيس ميقاتي يعرف جيدًا كيف تكون العلاقات بين الدول، ويعرف أيضًا أن الدول التي تحب لبنان وتريد له الخير ليست في النهاية مؤسسات خيرية. فالعلاقات بين الدول تقوم على توازن المصالح، وإن كان الوضع الإنساني في لبنان قد تخطّى الخطوط الحمر، من حيث إفتقاره للحدّ الأدنى من المستلزمات التي تجعل الإنسان يعيش في بلد الإنسان بكرامة وعزّة نفس، وهذا ما تأخذه تلك الدول في الحسبان بغضّ النظر عن أي مصلحة. فمساعدة لبنان إنسانيًا فوق أي إعتبار.
ولكي لا تكون زيارة باريس مجرد زيارة بروتوكولية فإنه تمّ التحضير لجدول أعمال المباحثات الثنائية بدّقة وموضوعية، بحيث تأتي نتائج هذه الزيارة عملية، وعلى الأرجح فإن هذه النتائج ستترجم على أرض الواقع في أسرع وقت ممكن، ومن المؤكد أنها ستنعكس إيجابًا على حياة الناس، ولو بوتيرة غير تلك المتوقعة.
ما هو أكيد أن الزيارة الرئاسية لفرنسا ستليها زيارات أخرى قريبة. وهذا ما يُعّول عليه في الفترة الآتية من مراحل التعافي.
وما زيارة الرئيس ماكرون الثالثة لبيروت إلا إنعكاسًا لما يمكن أن تكون عليه التفاهمات الدولية والإقليمية لمساعدة لبنان لكي يتخطّى محنته، وذلك قبل الحديث عن أي أمر آخر، على رغم أهمية المباحثات الجارية على قدم وساق بين واشنطن وباريس، مع التشديد أن أي تفاهم بينهما على الخطوط العريضة بالنسبة إلى الوضع اللبناني الداخلي يتجاوز ما يحاول البعض ترويجه من أجواء غير واقعية.