إذا أردنا أن نستعرض حجم الأزمات التي يعيشها لبنان منذ أكثر من سنة حتى اليوم لتيقّنا بأن من قبِل بأن تُسند إليه مهمّة الإنقاذ هو رجل لديه من الإيمان بأن لبنان سيقوم حتمًا من بين الأنقاض ما يهدّ الجبال.
المشاكل كبيرة وعويصة. ويقتضي حلّها الكثير من العمل والكثير من الإرادة، وبالطبع الكثير من الوسائل المتاحة والممكنة لتحويل النيات إلى أفعال. فالناس الجائعون لا تكفيهم النيات وحدها، وإن كانت طيبة، بل يريدون أن يلمسوا لمس اليد ما يفرّج عن كربتهم، وما يخفّف عنهم ثقل الأحمال، وما يكشح عن سمائهم هذه الغيمة السوداء، ومن يدحرج عن باب قبرهم ذاك الحجر الكبير. وزراء “معًا للإنقاذ” إكتشفوا بعدما غاصوا في ملفات وزاراتهم وما تحتاج إليه من متطلبات، أن المهمّة التي قبلوا أن ينتدبوا إليها ليست بالسهولة التي إعتقدها البعض. المهمّة تحتاج إلى أكتاف عريضة، وإلى إيمان قوي، وإلى الكثير من الأمل.
هذا الكلام ليس لتثبيط العزائم. إنه كلام تحفيزي. إنه كلام الناس الذين يريدون أن يأكلوا عنبًا قبل ان يسبقهم إليه الواوي. هؤلاء الناس الصابرون والعاضّون على جروحاتهم منذ أكثر من سنتين يريدون أن يكون في حوزة هؤلاء الوزراء عصا موسى. يريدون أن يعود “زمن العجايب”. يريدون أن يصدّقوا أن الإنقاذ ممكن. يريدون الكثير وليس القليل. الناس متطّلبون تمامًا كالولد الجائع. فهو لا يملك للتعبير عن جوعه سوى الصراخ. وهذا ما يفعله أكثرية الشعب اللبناني. هذا الطفل الجائع لا تهمّه كيف على والده أن يتدبّر أمره ليؤّمن له الطعام والشراب. هو يريد بكل بساطة أن يأكل ويسدّ جوعه، ولو بكسرة خبز. فلو لم يكن لدى الرئيس ميقاتي هذا الإيمان لكان رمى سلاحه من قبل بدء معركته الإصلاحية. كان يعرف أن المهمّة صعبة وشاقة. كان يدرك أن المسؤولية في هذا الظرف العصيب ليست ترفًا أو تشريفًا، بل جهاد متواصل، وإن كانت كل تلك الوسائل المطلوبة غير متوافرة. ولكنه كان يعرف أن المعركة تحتاج إلى رجال، إنما ليس رجالًا عاديين. وذلك قبِل التحدّي ونزل إلى الساحة، ولديه من الايمان ما يكفي. ولكن هل يكفي كل هذا الإيمان؟ الجواب عن هذا السؤال ليس بالأمر السهل، وإن جاء على لسان المعني الأول بهذا الإيمان في شكل واضح وصريح، إذ قالها وردّدها بالأمس أمام الهيئات الإقتصادية، التي حملت إليه همّها ومشاكلها. قال لهم “إن تعاون جميع الاطراف مهم جدا لوضع لبنان على سكة التعافي”. هذا هو الشرط الأساسي لأي نجاح. ومن دونه يذهب كل التعب أدراج الرياح. فإذا لم يشمّر الجميع، من دون إستثناء، عن سواعدهم، ويضعوا أيديهم في “جبلة” إعادة بناء الأسس من الصفر، تبقى النيات غير كافية. فيد واحدة لا تصّفق. ويد واحدة لوحدها غير قادرة على إعلاء البنيان. صحيح أن الإيمان أساسي في مثل هكذا ظروف. ولولا هذا الإيمان لما إستطاع أي مسؤول حالي أن يتحمّل كل هذه المسؤولية الملقاة على كاهله. ولكن لئلا يبقى هذا الإيمان مفردًا يحتاج إلى فعل رجاء وإلى الكثير من الحب لهذا البلد الذي لا ثانٍ له في أرجاء المعمورة، على رغم كل ما أصابه من جروحات وتشويه.