من الواضح أن “بعبع” الإنهيار الكامل لم يعُد هاجساً يؤرق اللبنانيين بشكل جدّي وذلك بعد تشكيل الحكومة الجديدة برئاسة نجيب ميقاتي والتي بات معلوماً أنها تحصل ولو بالحدّ الأدنى على ثقة المجتمع الدولي ودعمه لإنجاح مهامّها، بالإضافة الى ان القرار الدولي الذي يقضي بمساندة لبنان لمنع الإرتطام الكبير أعاد جزءاً من الأمل بإمكان الإصلاح ووضع البلاد على سكّة الإنقاذ. هذا الأمل بدا بالنسبة لبعض القوى السياسية فرصة ثمينة يمكن انتهازها من الآن وحتى الانتخابات النيابية من أجل ترميم قواعدها الشعبية.ولعلّ “التيار الوطني الحر” أكثر الأحزاب اللبنانية تكبّدا للخسائر الضخمة نتيجة للحراك الشعبي الذي صوّب عليه بالدرجة الاولى، تلاه انفجار 4 آب الذي تهشّمت من جرّائه صورة “العهد” على اعتبار أن الإهمال الذي تسبّب بدمار جزء كبير من العاصمة بيروت، ذات الطابع المسيحي، وأودى بحياة العديد من المواطنين والمقيمين حصل في فترة حُكمه. لذلك فإن التيار يضع نصب أعينه قواعد ثابتة للعمل على أساسها حتى موعد الانتخابات النيابية في محاولة لتحسين واقعه السياسي وشدّ عصبه الجماهيري.وبحسب المصادر، فإن “الوطني الحر” سيسعى في المرحلة المقبلة سياسياً واعلامياً الى استخدام الأخطاء التي يرتكبها خصومه واستثمارها في السياسة وذلك بهدف تلميع صورته ولملمة أرضيّته. وعلى سبيل المثال، الملف الذي هز الشارع اللبناني والمتعلق بقضية القيادي في حزب “القوات اللبنانية” ابراهيم الصقر التي سيركّز عليها التيار لاستغلالها بشكل مناسب في الدعاية الانتخابية وذلك من خلال تذكير الرأي العام اللبناني بها باستمرار وتسليط الضوء عليها للتصويب على “القوات”، الامر الذي ينطبق أيضاً على العديد من الملفات، حتى أن التيار، وبحسب المصادر، يبدو على أتمّ الاستعداد لفتح جبهات سياسية مع بعض القيادات التي يلاقي الوجدان المسيحي استحساناً من مهاجمتها.هذا المسار التصعيدي الذي من المتوقّع أن ينتهجه “الوطني الحر” سوف يُستتبع، وبحسب المصادر عينها، برفع سقف الاشتباك العلني مع قوى سياسية معينة في محاولة لاستكمال مشوار كان قد بدأه قبل مدة وتحديدا منذ تكليف الرئيس سعد الحريري، حيث بدا ان الصدام مع الحريري يلقى تفاعلاً من المحازبين في التيار وربّما أيضاً لدى بعض المناصرين الذين فضّلوا الابتعاد في مرحلة سابقة لأسباب عديدة.خدماتيًا، فإن التيار “الوطني الحر” ينشط منذ وقت ليس ببعيد على خط تقديم الخدمات في مناطق نفوذه والاستفادة من سلطته على وزارة الطاقة من أجل تأمين المحروقات وتحديدا المازوت لمولدات المناطق بالسعر الرسمي، الامر الذي بدأ يعيد الحماسة الجماهيرية للتيار .يدرك “الوطني الحر” أن المعركة في الشارع المسيحي ستكون مصيرية وأن فوزه في الانتخابات النيابية وحفاظه على كتلة نيابية وازنة يعني قدرته على الاستمرار، أما خسارته على المستوى الشعبي وتراجعه نيابياً فسيشكّل تهديداً جدياً لمستقبله السياسي ومستقبل رئيسه النائب جبران باسيل الذي بات فعلياً على المحكّ!