بعدما تبّلغ لصقًا الدعوة التي وجهتها إليه مديرية المخابرات في الجيش لحضوره إلى المديرية في وزارة الدفاع الوطني غدًا الأربعاء للإستماع إلى إفادته حول حوادث الطيونة، وهي أنهت تحقيقاتها في في هذه الحوادث، وبعد إحالتها الملف مع الموقوفين إلى النيابة العامة العسكرية، هل سيحضر رئيس “حزب القوات اللبنانية” الدكتور سمير جعجع إلى اليرزة، التي سبق أن قضى فيها أحد عشر عامًا مسجونًا؟
هذا السؤال شغل الأوساط المتابعة للملف لمعرفة القرار الذي ستتخذه قيادة “القوات”، خصوصًا أن موقفها من هذه القضية معروف، وهو تزامن مع دعوى تقدّم بها أهالي عين الرمانة ضد الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله.
وكان المسار السياسي القضائي توزع قبل ذلك بين مشهدين:
-الأول، ملف تفجير مرفأ بيروت الذي تدور حوله خلافات وتجاذبات سياسية، ولاسيما ما يتعلق بالمحقق العدلي وأدائه “الإستنسابي والمسيّس”، وفق إتهامات “حزب الله” وجهات أخرى تضغط في اتجاه كفّ يد القاضي طارق البيطار، أو في اتجاه تصويب مسار التحقيق.
وقد إستمع مجلس القضاء العدلي إلى القاضي البيطار وتداول معه في ما يثار في شأن ملف التحقيقات. وتم التشديد من قبل المجلس على “إنجاز التحقيق في أسرع وقت ممكن وفق الأصول القانونية، توصلًا إلى تحقيق العدالة وتحديد المسؤوليات في حق المرتكبين.”
وعليه، فقد أرسل وزير العدل هنري الخوري كتابًا إلى مجلس النواب يشير فيه إلى إصرار المحقق العدلي على المتابعة في ملاحقة الوزراء السابقين والنواب الحاليين إستنادًا إلى المادة 97 من النظام الداخلي للمجلس.
– الثاني، ملف حوادث الطيونة الذي تدور حوله أيضا تجاذبات، ولاسيما ما يتعلق بتحديد المسؤوليات وطبيعة الإتهامات السياسية المتبادلة، وسط توّجه لدى “حزب الله” الى إحالة الملف على المجلس العدلي أو الى تفعيل دور المحكمة العسكرية فيه، على ضوء ما أظهرته من سرعة وجدية في التحقيق والتحرك، إذ أن ثمة توجهات تفيد بأن هناك “صلة سببية” بين ملفي المرفأ والطيونة، وأن هناك إتجاها محتملًا الى الربط بين الملفين وإجراء مقايضة بينهما، وبما يؤدي الى تهدئة الموقف ونزع فتيل التوتر السياسي في ملف تحقيقات المرفأ، والذي تطّور الى توتر أمني وأحداث خطيرة في الشارع.
وثمة مقاربة سياسية لأحداث الطيونة تتم من خلفية المقارنة بين ما يحدث اليوم مع جعجع من إستدعاء قضائي وما حدث في التسعينات من إستهداف سياسي عبر إستخدام ورقة القضاء بعد تفجير كنيسة سيدة النجاة. ولكن هذه المقاربة تصطدم بظروف ومعطيات جديدة تجعل المقارنة بين الأمس واليوم غير واقعية في ظل متغيّرات طرأت على السلطتين الأمنية والقضائية، إضافة الى طبيعة الحادثة وكيفية تطورها والسجال الذي نشأ حولها بين من يراها “كمينا مسلحا متعّمدا” ومن يراها “غزوة غير مبررة”. وإذا كان الوسط السياسي انقسم في الموقف والتقدير، فإن ما استرعى الإنتباه هو الموقف الصادر عن البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي وعن متروبوليت بيروت للروم الرثوذكس المطران الياس عودة.
فالبطريرك الراعي قال في عظة الأحد إن الدولة بشرعيتها ومؤسساتها وقضائها مدعوة إلى التصّرف بحكمة وحماية الشعب بعدالة. إن القضاء هو رد القهر، والقهر يعرّض السلم الأهلي للخطر، لا نقبل، ونحن المؤمنين بالعدالة، أن يتحّول من دافع عن كرامته وأمن بيئتِه لمكسر عصا. ونحرص على أن تشمل التحقيقات جميع الأطراف لا طرفا واحدا كأنه هو المسؤول عن الأحداث.
أمّا المطران عودة فقال في السياق عينه: “كانوا ينادون بالحقيقة والعدالة، لكن ما إن لاحت بوادرها حتى ارتاعوا وشّمروا عن سواعدهم لوأدها قبل أن تظهر الى العلن، وتطيح بالمسؤولين الفعليين عن خراب البلد وتفجيره. عندما بدأ النور يبزع بصمت وخفر، فوجئنا بالظلمة تدهمه بضجة خطابية تارة، وأزيز مرعب طورا، واختلاق ملفات أحيانا، وترهيب قمعي دائما، ومحاولة النيل من كل من يتجرأ على الإنتقاد أو الرفض أو المواجهة”.
بهذا المعنى يكون الراعي وعودة قد وضعا خطا أحمر حول “القوات اللبنانية” ورئيسها شبيه بالخطوط الحمر الأخرى.
وهكذا يكون القضاء قد سقط في “لعبة الطوائف” وأصبح أسير خطوطها وتوازناتها ومصالحها، وتتراجع في هذه الحال إمكانات واحتمالات الوصول الى الحقيقة والعدالة في أي ملف وقضية.
القضاء والخطوط الحمر الطوائفية
