
توازنات ومقايضات
لم يعد من حاجة للاستشهاد بالكثير من الشواهد، على الرغم من وجود مكامن قوى أخرى تحرم الحزب من إعلان السيطرة المطلقة على البلد، أولها تركيبة النظام داخل الدولة وبنيتها، فهي محكومة بمراعاة توازنات متعارضة ومتناقضة ومتعددة. وثانيهاً، وجود قوى سياسية ومؤسسات داخلية وخارجية مؤثرة جداً في المسارات اللبنانية، من مصرف لبنان إلى القضاء والمؤسسات الأمنية والعسكرية وغيرها، وصولاً إلى حدّ عدم قدرة الحزب على تنحية القاضي طارق البيطار، إلا من خلال البحث عن نقاط سياسية يتم المراكمة عليها، للوصول إلى قاعدة المقايضة بين الملفات، مثلما حصل مع رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع، في وضعه بخانة قضائية متعارضة مع ما كان يطرحه سابقاً، وصولاً إلى تقديم وكلاء الدفاع عنه طلب ردّ القاضي فادي عقيقي عن النظر بتحقيقات الطيونة، في موقف مشابه لطلبات القوى الأخرى برد القاضي طارق البيطار عن التحقيق بتفجير المرفأ.
حدّ السيف
أصبح هناك ما يشبه التوازن في الملفات القضائية التي يجري الصراع حولها، وهذا أبرز الدلائل على إسقاط ما تبقى من مؤسسات الدولة ورمزيتها، وضرب ما تبقى من إستقلالية قضائية.
تلافياً لهذا الانفجار، جاءت حركة البطريرك الماروني بشارة الراعي باتجاه الرؤساء بحثاً عن حلّ لمنع التفلت وإبعاد شبح الانفجار.
اقتراح برّي
وهنا تقول المعلومات إن الرئيس نبيه بري أقنع الراعي باقتراحه الأساسي الذي يشكل مدخلاً للحل.
أيام حاسمة يعيشها لبنان.
حتى الآن، معالم التسوية السياسية لم ترتسم ولم تتضح. ولا بوادر لها. الأربعاء حافل بالتحركات، خصوصاً من قبل مناصري جعجع على طريق بكركي معراب.
ويرفض جعجع التنازل، ولن يكرر تجربة العام 1994. في المقابل، ليس في قاموس حزب الله أي قاعدة للتراجع أو التنازل وكذلك بالنسبة إلى التيار الوطني الحرّ، ومعلوم أنه في السياسة ثمة قاعدة لا بد لأي سياسي من الركون إليها، وهي أنه معرض للخسارة كما هو معرض للربح.
وبالتالي، عليه أن يعرف متى يربح ومتى يخسر وكيف.
هذه القاعدة غير متوفرة لدى حزب الله والتيار الوطني الحرّ.
وفي حال استمر الضغط على جعجع وصولاً إلى رفض طلب رد القاضي عقيقي مقابل عدم حضور رئيس حزب القوات للإدلاء بإفادته، وبحال أصدر عقيقي مذكرة توقيف بحقّه، يعني أن الانفجار سيصبح أقرب من ذي قبل.
خصوصاً ان حزب الله يعتبر قضية الطيونة قد وصلت إلى يده، لمواجهة جعجع بها واستخدامها عندما يريد، فيما مصلحة رئيس الجمهورية ورئيس التيار الوطني الحرّ تقتضي ضرب جعجع وتطويقه أكثر.
وهنا لا يمكن إغفال مصلحة النظام السوري في ذلك.
سيقود كل هذا إلى ضغوط سياسية كبيرة تعيشها القوات اللبنانية، لكنها في النهاية ستصب في صالحها شعبياً وانتخابياً.