بمجرد قيام رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط باطلاق مواقفه التصعيدية في وجه حزب الله خلال مقابلته مع قناة “روسيا اليوم” قبل يومين، بدأت المعلومات تتسرب وبعضها من الدائرة المحيطة بالمختارة، بأن جنبلاط يستعد لزيارة المملكة العربية السعودية يرافقه نجله النائب تيمور جنبلاط وعضو اللقاء الديمقراطي النائب وائل أبو فاعور، وأن اللقاء هناك سيكون مع ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، وربما يتوج بلقاء سريع مع الملك سلمان بن عبدالعزيز.
إستندت هذه المعلومات الى أكثر من معطى، لجهة:
أولا: مسارعة زعيم المختارة الى تبني الموقف السعودي بالكامل، وتشديده على إستقالة وزير الاعلام جورج قرداحي واصفا كلامه بغير المسؤول، وهجومه اللاذع على حزب الله وتحميله مسؤولية الأزمة الدبلوماسية إنطلاقا من الدعم الذي يوفره لقرداحي لعدم الاستقالة، ومن إستفزازه السعودية بمطالبتها بالاعتذار من الشعب اللبناني، حيث طالب جنبلاط الدولة اللبنانية بتقديم الاعتذار وذلك في رد مباشر على الشيخ نعيم قاسم.
ثانيا: العلاقة التاريخية التي تربط جنبلاط بقيادة المملكة والتي يحرص على التمسك بها والحفاظ عليها، والتي ترجمت أيضا بسعي السفير وليد البخاري الى لقاء جنبلاط قبل مغادرته لبنان، لكن إنشغاله بمؤتمر الحزب في عين زحلتا حال دون إتمام اللقاء.
ثالثا: تخوف جنبلاط من تداعيات الأزمة الدبلوماسية وإستفزاز حزب الله للسعودية على اللبنانيين العاملين في المملكة، خصوصا أن من بين هؤلاء الآلاف من أبناء الطائفة الدرزية الذين يرسلون المساعدات المالية الشهرية لعائلاتهم بما يمكنها من الصمود في وجه الأزمة الاقتصادية الخانقة، وهو أراد بموقفه نسج شبكة أمان حولهم، فضلا عن الضغط الذي يتعرض له من شخصيات درزية وازنة لديها مصالح عدة مع دول الخليج.
رابعا: محاولة جنبلاط التخفيف من الاحتقان وفتح ثغرة في جدار الأزمة الدبلوماسية من خلال إقناع قيادة المملكة بعدم أخذ كل فئات الشعب اللبناني بجريرة فئة معينة لديها “أجنداتها” التي تتجاوز لبنان وتعتبر جزءا من منظومة إقليمية ـ دولية ما يجعل مواجهتها أو السيطرة على مواقفها من قبل السلطة اللبنانية ضربا من ضروب المستحيل.
خامسا: سعي جنبلاط الى حماية حكومة “معا للانقاذ” التي “إنتظرنا 13 شهرا لتشكيلها”، إنطلاقا من قناعته بأنها تشكل الفرصة الأخيرة لوقف الانهيار، وبالتالي فإنه يتطلع بكثير من الغضب الى عمليات التعطيل غير المبررة التي يمارسها حزب الله، خصوصا أن إنقاذ البلاد والعباد أهم من كل القضايا الأخرى المطروحة.
كل ذلك، أعطى إنطباعا معطوفا على معلومات مسربة بأن جنبلاط سيكون في السعودية خلال الأيام المقبلة، لكن النائب أبو فاعور سارع في حديث تلفزيوني الى التأكيد بأن لا زيارة مقررة للمملكة، لكن في الوقت نفسه أكد أن الزيارة قد تحصل في أي وقت، ونحن على إتصال دائم مع القيادة السعودية.
كلام أبو فاعور ترك سلسلة تساؤلات لجهة: هل أن الزيارة تعطلت لكون السعودية لا تريد فتح أي ثغرة في جدار الأزمة مع لبنان قبل أن القيام بخطوة أولى كبادرة حسن نية تتمثل باستقالة قرداحي؟، أم أن الظروف ما تزال غير ناضجة لاستقبال جنبلاط إنطلاقا من حرص المملكة على أن لا يعود منها خالي الوفاض؟، أم أن فتح أبواب المملكة يحتاج الى مزيد من المواقف التصعيدية مع حزب الله والمتضامنة مع السعودية، وهو أمر قد يكون صعبا على جنبلاط المتمسك بقواعد اللعبة وبربط النزاع مع الحزب، وبعدم إستغلال مواقفه لإحداث أية توترات في الشارع لن تكون من مصلحة أحد.