بعد النتائج المفاجئة لإنتخابات نقابة المحامين في بيروت، وفوزالنقيب الصديق ناضر كسبار، الذي يؤكد أنه مستقّل ولا ينتمي إلى أي من أحزاب السلطة، كثرت التفسيرات والتأويلات والإجتهادات. فما حصل في إنتخابات “أم النقابات”، من حيث حرية الممارسة الديمقراطية، يمكن إدراجه في خانة العِبر التي لا بدّ من أن نتوقّف عندها بإمعان وتأنٍ، خصوصًا أن لها إرتباطًا وثيقًا بالإستحقاق النيابي في ربيع العام 2022، سواء أكان في 27 آذار أو في منتصف شهر أيار.
من بين هذه العِبر والخلاصات التي يمكن إستخلاصها، حسماً للقراءات المتناقضة والتفسيرات المليئة بالاجتهادات الخاطئة، هي:
أولًا، يبدو أنّ المجموعات المدنية لم تستيقظ بعد من “سكرة” النجاح الذي حققته المعارضة في نقابة المهندسين، وقبله في نقابة المحامين في بيروت، فظنّت أنّ تشتت أصوات هذه القوى قد لا يبطل قدرتها على تحقيق الفوز، حتى لو تعددت الترشحيات الآتية من الخندق ذاته، وأغفلت أنّه ثمة قواعد معروفة ومحددة للتمكن من تكرار تلك المشهدية لا يمكن تجاوزها، ولعل أهمها “المشروع الواضح”.
ثانيًا، سقوط مدوٍّ لجميع مرشّحيّ “محور الممانعة”، “حزب اللّه”، “تيّار العهد”، حركة أمل”… وكلّ مَن عليه صبغة “٨ آذار” من قريب أو من بعيد. وقد جاءت تأكيدات النقيب الجديد عن أنه مستقّل وأنه لا ينتمي إلى أي من هذه الأحزاب، وبألاخصّ “التيار الوطني الحر” لتؤكد المؤكد.
ثالثًا، غاب عن هذه الإنتخابات “المشروع البديل” المقنع، الذي يمكن أن يتمتع بقابلية الحياة والتنفيذ، بمعزل عن الأشخاص الذين يحملونه.
رابعًا، فشلت مجموعات “المجتمع المدني” في هذا الإستحقاق المهمّ والمصيري، والذي إعتبره البعض مؤشرًا لما سيأتي من إستحقاقات وطنية، وذلك بسبب تشرذم هذه المجموعات وسوء إدارته، وعدم توحدّها حول مشروع واحد موحدّ.
خامسًا، على رغم فشل التحالف بين القوى التي تسمّي نفسها “سيادية” لأسباب شخصية ونكد سياسي، حققت نجاحات لافتة، وإن لم تستطع أن توصل النقيب الذي ينتمي إليها.
سادسًا، الطبيعة النقابية المستقلّة القائمة على علاقات شخصية ساهمت بفوز ناضر كسبار.
سابعًا، سُجّل تفرّد حزبَين فقط من بين مجموعة الأحزاب بشجاعة الكشف الصريح عن مرشّحيهما، وهما “القوات اللبنانية” و”الكتائب”، كما فعلا في الانتخابات الجامعية.
ثامنًا، تلطّي معظم الأحزاب وراء أسماء مستقلين للتغطية على تراجع أرقامها، ومسارعتها إلى تبنّي فوز النقيب بعد صدور النتيجة.
تاسعًا، على رغم المناداة بوجوب احترام ميثاق الشرف النقابي من قبل نقباء المحامين السابقين، حصل خلل طائفي في هذه الإنتخابات ولم يصل الى مجلس النقابة أي عضو شيعي أو درزي لتمثيل مختلف العائلات الروحية، وبات المجلس يضم ١١ عضوا مسيحيا مقابل عضو سنّي واحد بقي في المجلس لعدم انتهاء ولايته بعد.
عاشرًا، إنّ النتائج التي فرزتها صناديق المحامين، ستكون وفقًا لمصادر “المجموعات المدنية”، درساً مهماً لها لتعيد النظر في كيفية تعاطيها مع الاستحقاق النيابي من باب احترام خصوصيات كل دائرة أولاً، والاقتناع ثانياً بأنّه لا يمكن لأي فريق أن يتفرّد بالقيادة، وأنّ تقديم مشروع موحّد هو المعبر الإلزامي لخوض المعارك النيابية بجدارة بغية تحقيق نتائج مهمة، وإلا فإنّ الخلافات وتشتت الأصوات ستقضي على الفرصة المتاحة أمام القوى المعارضة.
ولأن نقابة المحامين هي “أمّ نقابات المهن الحرة” بما تتمتع به من حالة وطنية سيادية، فإنه لا يمكن الفصل فيها ما بين الالتزام النقابي والدور الوطني. من هنا تأتي الأهمية القصوى التي تُعطى لإنتخاباتها، وما يمكن أن يُستنتج منها من عِبر وخلاصات ودروس نقابية ووطنية، خصوصًا أن ثمة نقابة لا تقّل أهمية عن نقابة المحامين، من حيث الأدوار النقابية والوطنية، تتهيأ للإنتخابات في الأول من كانون الأول، حيث يتنافس على أنتخابات نقابة المحررين حتى الآن ثلاثة لوائح ومنفردون، واحدة برئاسة النقيب جوزف القصيفي وثانية غير مكتملة، وثالثة برئاسة أنطوني العبد المعروف بأنطوني جعجع.