قبل أن يأتي إلى لبنان، تلبية لدعوة وجهها إليه رئيس الحكومة نجيب ميقاتي عندما ألتقاه في قمة غلاسكو، سمع الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس كلامًا كثيرًا عن هذا البلد المعذّب، وقرأ الكثير من التقارير التي تُرفع إليه دوريًا، والتي تختصر الوضع اللبناني المزري في شكل دقيق وواضح، خصوصًا أن المهتمين بوضع لبنان، ومن بينهم أصدقاء كثر، لا يحتاجون إلى الكثير من المعلومات لكي يكتشفوا مصيبة هذا البلد المبتلي بمنظومة تحكّمت برقاب الناس منذ عقود، ولا تزال تعيث في الأرض فسادًا وفجورًا. ولا حاجة للأمين العام للأمم المتحدة أو لغيره إلى شرح كثير لكي يدركوا مكامن “العّلة اللبنانية”، ولا يحتاجون أيضًا إلى الكثير من الأدّلة، لأن المكتوب يُقرأ من عنوانه.
قد يكون كافيًا أن يحطّ هذا المسؤول الأممي على أرض بلد منهار ويكاد يلفظ أنفاسه الأخيرة في الوقت الذي لا يجتمع فيه مجلس الوزراء لإدارة الفوضى على الأقل، ولفرملة قوة الإندفاع الذاتي نحو الهاوية، مع العلم أن بدايات عمل الحكومة، يوم كانت في منأى عن الخلافات السياسية، كانت مشجعة وكانت تدعو إلى التفاؤل بإمكانية قدرة اللبنانيين على تحقيق خطوات كان من الممكن التعويل عليها للإنتقال من ضفة التلاشي إلى ضفة التعافي التدريجي. وهذا ما كان ظاهرًا من خلال دينامية الرئيس ميقاتي وإيمانه المطلق بقدرات اللبنانيين وطاقاتهم، خصوصًا إذا إبعدت عنهم التجاذبات السياسية، وهو أراد لحكومته أن تعمل معًا كفريق عمل واحد وموحدّ في عملية الإنقاذ، التي لا تزال فرصها متوافرة وممكنة، شرط التطلع جميعًا نحو هدف واحد، وهو إنقاذ لبنان، لأن بذلك يكون الخلاص للجميع، إذ ليس جديدًا أن نقول إن السفينة متى غرقت فسيغرق معها الجميع من دون إستثناء أو تفرقة، وبالأخص أولئك الذين لا يزالون مثقلين بأحمال كثيرة.
لم يكن غوتيريس يحتاج إلى المبصرّين والمنجمين، وقد إقترب موسمهم، ليعرف ما سيؤول إليه الوضع في لبنان، وهو قد سمع في يومه الأول من زيارته كلامًا كثيرًا، سواء من رئيس الجمهورية أو من رئيس مجلس النواب أو رئيس الحكومة أو من القادة الروحيين، حول ما يتمناه اللبنانيون وما يعّولون عليه من أهمية على ما يمكن أن يقدّمه إليهم المجتمع الدولي من مساعدات من شأنها أن تنجّيهم من الغرق.
بكل بساطة ومن دون الإكثار من التحليل والتنظير و”التفلسف”، يمكن لكل لبناني يتطلع إلى اليوم الذي سيبدأ فيه لبنان الخروج من غرفة العناية الفائقة والبدء بمرحلة التعافي، وهذا اليوم سيأتي حتمًا، أن يضع نفسه مكان هذا الضيف الأممي، ويستنتج ما يجب إستنتاجه بعدما لمس لمس اليد معاناة الشعب اللبناني، وبعدما تأكدّ بما لا يقبل الشك بأن مصدر المصيبة واحد، وهو قد أصبح على يقين بأن الحل الثابت والأكيد يكون أولًا وأخيرًا من خلال الإنتخابات النيابية المقبلة، التي تشكّل فرصة حقيقية للتغيير كمقدّمة لازمة وضرورية وحتمية للبدء بورشة إصلاحية شاملة في البنى الأساسية للنظام، الذي كان قائمًا بمجمله على الفساد والمحاصصة السياسية والزبائنية.
الحلّ يجب أن يكون صناعة لبنانية قبل أن يأتي من الخارج. هذا ما نصح به غوتيريس اللبنانيين. ويضيف: لا تفتشوا عنه في الأمكنة الغلط. إنه موجود في الداخل، وأنتم قادرون على إحداث الفرق إذا عرفتم كيف تختارون ممثليكم. وبعد ذلك يأتي الدعم من الخارج ليكمّل ما تكونون قد بدأتم به. إنتخبوا “صح” والعالم كله معكم.
المصدر:
لبنان 24