كتب حسين خليفة:
بعد “لا قرار” المجلس الدستوري، يبدو أنّ “التشنّج” في البلاد سيأخذ مداه، من خلال منحى “تصاعدي” يرجّح أن ترتفع حدّته مباشرة بعد الأعياد، وهو منحى تجلّى بوضوح في كلمة رئيس “التيار الوطني الحر” الوزير السابق جبران باسيل قبل يومين، وتجلّى بصورة أكثر وضوحًا بتحديده الثاني من كانون الثاني موعدًا لكلام “مفصليّ”.
في مؤتمر الصحافي الأخير، رفع باسيل السقف إلى أعلى مستوياته. اتهم خصومه بـ”ابتزازه” لـ”جرّه” إلى “مقايضة” بين التحقيق بانفجار مرفأ بيروت، والطعن بتعديلات قانون الانتخابات، وهي “الصفقة” التي كانت قاب قوسين أو أدنى من أن تبصر النور، لولا “عراقيل” اللحظة الأخيرة، التي حوّلت باسيل إلى “مهزوم” على خطّ المجلس الدستوري.
لكنّ باسيل لم يقف عند هذه الحدود. قرّر “ترجمة” انفعاله في السياسة. صوّب في كلّ الاتجاهات، من دون أن يوفّر أحدًا، من الخصوم وحتى الحلفاء، أو من بقي منهم. تحدّث صراحةً عن “تحالف رباعي” جديد، قال إنّه سيكون له بالمرصاد. لكن، كيف سيواجه باسيل عمليًا؟ وهل من “مروحة خيارات” في جعبته أساسًا ليلوّح بها بهذا الشكل؟
رسالة “حازمة” إلى “حزب الله”
تعمّد باسيل الحديث عن “تحالف رباعي”. لعلّه أراد أن يختصر “الرسالة” التي توخّاها من مؤتمره الصحافي بهذه العبارة تحديدًا، وما لها من “رمزية” في وجدان “العونيّين”، الذين لم ينسوا بعد التحالف “الانتخابي” الذي يقولون إنّه أراد “إقصاءهم” عام 2005، وجمع كلاً من “حزب الله” و”حركة أمل” و”تيار المستقبل” و”الحزب التقدمي الاشتراكي”.
صحيح أنّ التحالف الرباعي “انتهى” بعد العام 2005، وتحديدًا بعد “تفاهم مار مخايل” الشهير بين “حزب الله” و”التيار الوطني الحر”، والذي خلط كلّ الأوراق، لكنّ استعادة باسيل نغمة هذا “التحالف” اليوم، قد يكون بحدّ ذاته “رسالة حازمة وصارمة” إلى “حزب الله” تحديدًا، الذي لم يعد خافيًا على أحد مدى “الامتعاض العوني” من أدائه، في ظلّ “نفور” بات أكثر من واضح من جانب القاعدة “العونيّة” إزاءه.
هكذا، يُعتقد أنّ باسيل سيختصر “المعركة” مع “حزب الله”. صحيح أنّه لم يوفّر رئيس الحكومة نجيب ميقاتي من هجومه، وأنّه “ترجم” ضغطه بطلب “مساءلة” الحكومة على خلفية عدم انعقاده. وصحيح أنّ “معركته” مع رئيس مجلس النواب نبيه بري ثابتة، بالنظر إلى العلاقة “غير المتوازنة” بين الجانبين. لكنّ الصحيح، قبل هذا وذاك، أنّ مشكلته باتت اليوم مع “حزب الله”، “الحليف” الأخير الذي يبدو أنّه قد فَقَدَه بفعل التطورات الأخيرة.
ما هي الخيارات المُتاحة؟
لكن، أبعد من الهجوم والشكوى، وأبعد من لغة “الرسائل”، ما هي الخيارات المُتاحة فعليًا لدى رئيس “التيار الوطني الحر”؟ وهل يكون مؤتمر الثاني من كانون الثاني المقبل الذي لوّح به، موعدًا لبدء ترجمتها، بـ”انقلاب ما”؟ ولماذا أرجأ “العمل” إلى مطلع السنة، في حين كان يستطيع المباشرة بالردّ “على الحارك”؟!
ثمّة من يقول إنّ بين الخيارات “فكّ الارتباط” مع “حزب الله” بشكل نهائيّ، بعدما عجز تفاهم مار مخايل في “تحصين” نفسه، وفشلت كلّ محاولات “تطويره” التي يتحدّث عنها باسيل منذ فترة، علمًا أنّ بعض الناشطين “العونيّين”، وبينهم وجوه معروفة و”نخبوية”، لم يتردّدوا في اليومين الماضيين في “نعي” التفاهم عن بكرة أبيه، والترحّم عليه، باعتبار أنّه “أصبح في خبر كان”، وما عاد ممكنّا “إنعاشه”.
لكن ثمّة من يقول أيضًا إنّ باسيل أراد “التلويح” بهذا الخيار لفتح المجال أمام الاتصالات السياسية خلال الوقت “المستقطع” الذي تعمّد “اقتناصه” إلى ما بعد رأس السنة، لعلّه يستطيع خلاله أن يجرّ “حزب الله” إلى صفّه، حرصًا على “التفاهم”، فيقدّم له بعض “التنازلات والتضحيات” التي يمكن أن تخفّف من وقع “الخسارة” التي ألحقها به “لا قرار” المجلس الدستوري، معطوفًا على كلّ المستجدّات الأخيرة، على أبواب الانتخابات النيابية.
قد يلاقي “حزب الله” باسيل في منتصف الطريق، لأنّه لا يريد “سقوط” التفاهم اليوم، وقد لا يلاقيه، وينتهج سياسة “التطنيش” مرّة أخرى، لأنّه رفع السقف أخيرًا بطريقة لا تتيح له “التراجع”. لكن، في الحالتين، ثمّة من يتحدّث عن “مصلحة انتخابية” بالافتراق تكمن خلف تصعيد باسيل المتصاعد، وهو الذي بات يشعر أنّ التفاهم “حمل ثقيل” عليه في مرحلة انتخابات، لا يبدو أنّ “عقاربها” تسير لصالحه، بتفاهم أو من دونه!