منذ 2021 سنة ولدت في مزود حقير. ويقول البعض أنه كان في إمكانك أن تولد أقله في بيت عادي مثل كثيرين من الأطفال. لم يكن في تلك المغارة الفقيرة لا نار تبعد عنك برد الشتاء القارس، ولا ثوب يستر عريك بل أقمطة، تمامًا كما كنت على الصليب. أتاك المجوس حاملين ذهبًا ومرًّا ولبانًا، وأنت لم تطلب سوى الرحمة للعالمين. سجد لك الرعاة وهم يسبحّون “المجد لله في العلى”. يوسف صفيّك واقف أمام العظمة الألهية مدهوشًا ومعقود اللسان. أمّا مريم ومذ وضعتك فهي لم تكّف عن تسبيح من نظر إلى تواضع أمته.
وحده هيرودس كان خائفًا ومرتعدًا من طفل صغير، فأمر أن يبيد جميع أطفال بيت لحم. ومذ ذاك التاريخ بدأت مسيرة الفداء.
في مثل هذا اليوم ولدت فكنت نورًا للأمم، وفي مثل هذا اليوم لم يعد ما بعدك كما ما قبلك. أصبحت ملء التاريخ. معك بدأ التاريخ الجديد، تاريخ الخلاص لمن رأى وآمن، ولمن لم يرً وآمن أيضًا، وله أعطيت الطوبى.
في مثل هذا اليوم تعمّ الفرحة ويسود السلام ويُمحّى البغض. في مثل هذا اليوم تُستعاد الذكرى، كل على طريقته، وإن إحتلت المظاهر والبهرجات الخارجية مكان معاني العيد الحقيقية. ولكن القاسم المشترك بين الجميع هو الفرح والسرور والإبتهاج.
وحده لبنان حزين في هذا العيد.
وحدهم أطفال لبنان ينامون الليلة من دون تدفئة.
وحدهم أطفال لبنان دون سائر أطفال العالم ينامون من دون أن يأكلوا كسرة خبز.
وحدهم أطفال لبنان يخافون من بطش هيرودس، وكم يوجد من أمثالهم عندنا، الذين تستهويهم رقصة إبنة هيروديا، فيأمرون بقطع رأس يوحنا السابق ويقدّمونه على طبق من فضة. كمّ من هيرودس في لبنان، وكم من هيروديا.
أنت تعرف ولا حاجة لك لمن يخبرك أن لبنان ومعه معظم اللبنانيين يتألمون ويعانون. ما من شعب عانى كما عانى الشعب اللبناني.
لا شك في أنك في ليلة ميلادك سمعت الكثير من الدعاء، والكثير من الصلوات، ومع هذه الصلوات إمتزجت الدموع مع أنين الموجوعين، الذين لا يجدون دواء، وإن وجد فما في الجيب لا يكفي لشرائه.
في هذه الليلة، التي يُفترض أن تشّع فرحًا وإبتهاجًا، يسود الحزن في بلد مصاب بلعنة إسمها “السياسة”، وما فيها من حواضر “سمفونية” القضاء على ما تبّقى من أمل في خلاص محتمل ومرتجى.
في هذه “السياسة” يصبح الفاسد زعيمًا، أو ما يُسمّى بـ “المنظومة الحاكمة”، والمقصود هنا جميع الذين لم يسعوا إلى بناء دولة خارج القيود التي تضمن لهم الإستمرارية في السلطة، والإفادة من خيراتها.
في هذه “السياسة” يُقال عن “الحرتقجي” بالمعنى السيء للكلمة، بأنه “ذكي” وشاطر” وحربوق”، و”كيف ما كبيتو بيجي واقف”.
في هذه “السياسة” كل “لاعب كشاتبين” مشروع نائب أو وزير. أمًا كل مستقيم وصاحب ضمير ويخاف ربه فمصيره معروف، إذ لا مكان له في المجالس العامة وفي الصفوف الأولية.
ولكي لا أعمّم حالة اليأس والقنوط لا بدّ من الإشارة الى أن ثمة كثيرين ممن يعملون من دون أن تدرك يدهم اليسرى ما تفعله يدهم اليمنى يملأون الأرض عطاء ويزرعون الفرح، وإن كانوا غير معنيين بعيد الميلاد بمعناه الديني، ولكنهم يؤمنون بأن طفل المغارة أتى إلى العالم حاملًا السلام والرحمة والمحبة إلى جميع البشر.
في هذا العيد المبارك لا يطلب منك اللبنانيون، جميع اللبنانيين، سوى أعجوبة واحدة، وهي أن تطرد “الهيروديسيين”، فينجو لبنان، كما نجوت من “هيروديسك”، ولا يكون مصيره كمصير يوحنا مقطوع الرأس.
في هذا العيد المجيد لا تنسى أطفال لبنان. لا تنسى البائسين والمتعبين. لا تنسى أن تزور لبنان لتحّل فيه السعادة والطمأنينة.