أكّد رئيس الجمهورية ميشال عون على ضرورة أن تجتمع الحكومة اليوم قبل الغد لمعالجة المشاكل على طاولة مجلس الوزراء، مشدداً على وجوب عمل الحكومة وقيام مجلس النواب بمراقبتها ومحاسبتها عند الضرورة.
وفي كلمة له إلى اللبنانيين، اليوم الإثنين، قال عون إنه “يرغب بأفضل العلاقات مع الدول العربية ودول الخليج”، وسأل: “لكن ما هو المبرر لتوتير العلاقات مع هذه الدول والتدخل في شؤون لا تعنينا؟”.
ومع هذا، أكد عون أنه “لا يريد ان يخاصم احداً ولا تفكيك الوحدة في أي طائفة”، وأضاف: “لن اقبل ان أكون شاهداً على سقوط الدولة واختناق الناس وسأبقى اعمل حتى آخر يوم من ولايتي ومن حياتي لمنع ذلك”.
وتابع: “لم ولن استسلم امام الانهيار ولا أزال اعتبر الحل ممكناً من خلال وثيقة الوفاق الوطني واجراء المحاسبة وحماية أموال الناس واعادتها الى المودعين”.
وفي ما يلي نص كلمة عون كاملاً:
“أعزائي اللبنانيات واللبنانيين،سمعت الكثير من الأسئلة والملامة عن سبب عدم مخاطبتكم عما يجري من تطورات، ولكن أنا تحدثت بالفعل إنما من دون الرغبة في أن أزيد المشكلة تعقيداً. اليوم، بات من الضروري أن يكون الكلام أوضح، لأن المخاطر تكبر وتهدد وحدة الوطن، وما نسمعه ونراه من تحضيرات تجري إقليمياً، تُظهر هذه المخاطر بشكل أوضح”.
وأضاف: “كنت قد فضّلت على مدى سنوات ولايتي، أن أعالج الأزمات بالعمل الصامت. نجحت في بعض الاحيان ولم اوفّق في احيان أخرى. حاولت أن أمنع الانهيار، ودعوت الى أكثر من لقاء ومؤتمر، وطرحت حلولاً، ولكن أهل المنظومة رفضوا أن يتخلّوا عن أي مكسب، ولم يحسبوا أي حساب للناس. عندما وقع الانهيار، دعوت الى الحوار مع الذين نزلوا الى الشارع، ولكنهم رفضوا أيضاً، واختبأوا خلف شعار “كلّن يعني كلّن”. واليوم، اجدد دعوتي للحوار، الى كل لبنانية ولبناني يرغب في خلاص الوطن”.
وتابع قائلاً: “إن تمسكي بوحدة لبنان وسيادته واستقلاله وحريته، دفعني الى أن أواجه عام 1990، مشاريع الهيمنة على الدولة. ولكن، مصالح الخارج والداخل تواطأت وكانت أقوى. وعلى مدى 15 عاماً، حُكِم البلد من منظومة سياسية ومالية من دون سيادة وشراكة، وبالفساد. عند عودتي الى لبنان عام 2005، تعاملت بإيجابية، وطرحت المعالجة انطلاقاً من الدستور الذي أُقرّ بالطائف. مع حصول الانهيار، لم استسلم، ولن استسلم، ولا أزال اعتبر، على الرغم من كل شيء، أنّ الحل ممكن من ضمن وثيقة الوفاق الوطني”.
وأكد عون أن “الحل يقتضي أولاً إجراء المحاسبة، أي تحديد المسؤولية عن الانهيار، وحماية أموال الناس وإعادتها الى المودعين، كما يقتضي الانتقال الى دولة مدنية، ونظام جديد ركيزته الأساسية اللامركزية الإدارية والمالية الموسّعة. ويجب أن تشكّل الانتخابات النيابية المقبلة استفتاء على هذا الأساس. صحيح أن الدفاع عن الوطن يتطلب تعاونا بين الجيش والشعب والمقاومة، ولكن المسؤولية الأساسية هي للدولة. وحدها الدولة تضع الاستراتيجية الدفاعية وتسهر على تنفيذها. وقبل الوصول الى هذه النقطة، يجب ان يتوقف التعطيل المتعمد والممنهج وغير المبرر الذي يؤدي الى تفكيك المؤسسات وانحلال الدولة”.
وأضاف: “تسألونني أين التعطيل؟ وأنا بدوري أسأل: أين لا يوجد تعطيل؟”
وعن تعطيل المجلس الدستوري، قال عون “عند سقوط أهم محكمة دستورية في العجز عن اتخاذ قرار حول نص دستوري واضح على غرار ما حصل بالنسبة للمادة 57 من الدستور، هذا يعني أن التعطيل ضرب المجلس الدستوري وصار معروفا -بكل أسف- من وراء التعطيل والمسؤولون عن هذا الأمر يعرفون أنفسهم وباتت الناس تعرفهم أيضاً”.
وتابع قائلاً: “إنّ إسقاط خطة التعافي المالي التي وضعتها الحكومة السابقة، أدى الى تأخير المفاوضات مع صندوق النقد الدولي، وباتت كلفة الحل أكبر، وخسارة الناس تزداد. وعدم وجود خطة وتحديد واضح للخسائر مع توزيع عادل لها، إنما يؤدي الى عدم توافر دعم دولي، وهكذا يضرب التعطيل مصالح الناس”.
أما في الشق الحكومي، فقال عون: “إن تعطيل الحكومة هو المسؤول عن شلل الإدارة، في وقت ينتظر الموظفون حقوقهم، والمستشفيات مستحقاتها، والمرضى علاجهم”. وسأل: “من المسؤول عن عدم وضع موازنة العام الفائت، وما هو مصيرها هذه السنة؟ من عرقل التدقيق الجنائي؟ وهل الهدف من المماطلة إخفاء أو تغطية أصحاب المليارات المسروقة والمهدورة؟ من المسؤول عن عرقلة الحوار مع سوريا لاعادة النازحين السوريين؟”
وأردف قائلاً: “أنا أرغب بأفضل العلاقات مع الدول العربية، وتحديداً مع دول الخليج، وأسأل: ما هو المبرّر لتوتير العلاقات مع هذه الدول والتدخل في شؤون لا تعنينا؟ إن العرقلة في مجلس النواب تساهم في تفكيك الدولة، وكان من المفترض أن يصدر قانون الكابيتال كونترول منذ سنتين وشهرين، ويساهم في إنقاذ الوضع المالي”.
وأضاف عون سائلاً: “أين قانون استعادة الأموال المحولة الى الخارج؟ أين قانون كشف الفاسدين وحسابات وأملاك القائمين على الخدمة العامة؟ أين قانون الشيخوخة؟ لماذا التأخير في إنجاز القوانين الإصلاحية؟” وأضاف: “هل يمكن لأحد أن يشرح لي سبب عدم تجاوب مجلس النواب مع دعواتي المتتالية لإقرار قوانين تصب في خانة خدمة الناس؟ أين هي هذه القوانين؟ هل مكانها فقط في الأدراج واللجان؟”
أما في موضوع القضاء، فقال عون: “لقد كرّست التشكيلات الطائفية في المراكز، وخالفت القوانين ولم تعتمد معايير موحدة للكفاءة والأقدمية والأحقية والدرجات. كيف يمكن أن أوقّع تشكيلات فضيحة؟ هناك ملفات متراكمة للمواطنين في القضاء وتنتظر البتّ بها. إنّما الأخطر من ذلك، أنّ القضاء عطّل نفسه، أو تمّ تعطيله عن المحاسبة والمساءلة وفرض العقوبة”.
أما بالنسبة للرقابة المالية، سأل عون: “لماذا التأخير بالمصادقة على قطوعات حسابات الدولة منذ العام 1997؟ وهل من سأل وحاسب؟”
وتابع عون قائلاً: “أحبائي، لقد أصبح شلّ المؤسسات نهجاً قائماً بذاته، ونتيجته خرب الدولة. ويبقى السؤال: هل لا يزال اللبنانيون متفقون على وحدة الدولة؟ أم أنّ النظام قد سقط وأصبح كل واحد يبحث عن مصلحته؟ ففي الوقت الذي تقترب فيه الحلول في المنطقة، نرى الحل يبتعد في لبنان… وهذا أمر غير مقبول..!”
وشدد على أنه “من الضروري أن تجتمع الحكومة اليوم قبل الغد، لمعالجة المشاكل على طاولة مجلس الوزراء…فبأي شرع أو منطق أو دستور، يتم تعطيل مجلس الوزراء، ويُطلب منه اتّخاذ قرار ليس من صلاحياته، ويتم تجميد عمله بسبب مسألة لا تشكّل خلافاً ميثاقياً؟ على الحكومة أن تعمل، وعلى مجلس النواب أن يراقب عملها ويحاسبها عند الضرورة، وليس المساهمة في تعطيلها، فيما يعمل بعض المسؤولين على استمرار الشلل فيها”.
وأضاف: “إنّ تفكيك الدولة وشلّها وانحلالها هو جريمة… وقد بدأوا في تعطيل المشاريع من كهرباء ونفط ومياه واتصالات وغيرها، وانتهينا بتعطيل مؤسسات الدولة والدستور. أنا مؤتمن على الدستور والقوانين، ومن واجبي أن أصارح الشعب اللبناني وأقول له: يجب أن نبقى في وطن واحد وفي دولة واحدة، إنّما يجب أن نتعلّم من التجربة، وأن نعدّل نظام الحكم كي تصبح الدولة قابلة للحياة. إنّ اللامركزية الإدارية والمالية الموسّعة هي العنوان، والمساءلة والمحاسبة والتدقيق هي شرط لكي نغلق حسابات الماضي وأن نعيد للبنانيين حقوقهم وأموالهم… وعلى لبنان أن يبقى ملتقى حوار الثقافات، وليس أرض الصراعات..!!”
وتابع قائلاً: “أحبائي، أنتم تنتظرون وتتحملون الوجع والجوع والخوف، ودول العالم تنتظر أن نباشر الحوار مع صندوق النقد الدولي كي يقدم لنا المساعدة. أنا لا أريد أن أخاصم أحداً -لا أشخاصاً ولا جهات- ولا أريد تفكيك الوحدة في أي طائفة، إنّما يجب أن نكون صريحين: إن المراوحة قاتلة، ولن أقبل أن أكون شاهداً على سقوط الدولة واختناق الناس وسأبقى أعمل حتى آخر يوم من ولايتي ومن حياتي لمنع ذلك”.
وأردف قائلاً: “إنني ومن موقعي كمؤتمن على الدستور أدعو لحوار وطني عاجل من أجل التفاهم على 3 مسائل والعمل على إقرارها ضمن المؤسسات، وهي:* اللامركزية الإدارية والمالية الموسعة* الاستراتيجية الدفاعية لحماية لبنان* خطة التعافي المالي والاقتصادي بما فيها الإصلاحات اللازمة والتوزيع العادل للخسائر”.
وتابع عون في كلمته: “أحبائي، معركتي هي معركة بناء الدولة منذ اليوم الأول الذي مارست فيه الشأن العام والخدمة العامة. هذا ما كنت أحلم به عندما كنت تلميذاً في الكلية الحربية، وقد رافقني طوال عمري”. وأكد أنه “لا وجود للبنان من دون دولة، واستمرارية بناء هذه الدولة تستند الى أسس هي: الدستور والقوانين والمؤسسات. هذا ما يؤدي الى انتظام في الدولة، وهو مطلب كل لبناني اكان مقيماً او في الانتشار، المطلب واحد: قيام الدولة”.
وأكد عون أن “إنّ الشعب اللبناني قادر على بناء الدولة، والاقتصاد، وإمكاناتنا كبيرة، وثروتنا الأكبر هي الانسان… ولكن الدولة تُبنى باحترام القوانين، وليس بتجاوز السلطة، ولا بهيمنة سلطة على سلطة أخرى..!! الدولة تعني القانون والاستقرار في الوقت نفسه، ولا يجوز لأحد أن يخيّر اللبنانيين بين أحد الأمرين”.
ولفت إلى أنه “من السهل انتقاد رئيس الجمهورية، وإطلاق النار عليه كل يوم واستهداف موقع الرئاسة والانتقاص من صلاحياتها في مجلس النواب، كما حصل أخيرا بالنسبة الى المادة 57 من الدستور، وصدور أصوات تحمله المسؤولية بشكل يومي، علما أن صلاحياته محدودة لدرجة عدم قدرته على إلزام مجلس الوزراء على الانعقاد”.
وتوجه إلى اللبنانيين وأهل الإعلام بالسؤال: “لماذا لا تقال الحقيقة؟ لماذا يزوّرون الحقائق؟ فمن حق الناس أن تسمع الحقيقة وليس الكذب والشائعات…!!”
وختم عون كلمته: “اليوم، ومع نهاية هذه السنة، أحببت أن تكون رسالتي إليكم رسالة مصارحة، وآمل ألا اضطرّ الى أن أقول أكثرعشتم وعاش لبنان”.