تصدّر موضوع الخلاف بين “التيّار الوطني الحرّ” و”حزب الله” العناوين، منذ أنّ حمّل النائب جبران باسيل “الثنائي الشيعي” مسؤولية تعطيل الحكومة والفشل في إيجاد قرار أكثري على الطعن الذي تقدّم به تكتل “لبنان القوي” إلى المجلس الدستوري، في موضوع الانتخابات. ولعلّ الاصوات التي علّت من جانب “التيار”، والتي سارعت إلى الدعوة لفكّ التحالف مع “الحزب” من جهة، وتريث الاخير بالردّ إعلاميّاً، وإرسال مسؤول وحدة التنسيق والارتباط في “حزب الله” وفيق صفا للقاء باسيل من جهة أخرى لها دلالات كثيرة، تُشير إلى أنّه ، ورغم الخلافات في قضايا أساسيّة في الاونة الاخيرة، وأبرزها التحقيقات في جريمة مرفأ بيروت والمحقق العدلي في القضية القاضي طارق البيطار، بالاضافة إلى إجتماع مجلس الوزراء، والتدقيق الجنائي والطعن بقانون الانتخابات، فإنّ هناك نقاطا، لا يمكن تجاهلها بين الحليفين الشيعي والمسيحي، وأبرزها الانتخابات النيابيّة والرئاسيّة، والغطاء المسيحي لسلاح حزب الله.
وفي السياق، تأتي زيارة صفا لباسيل لتؤكد ركيزتين مهمتيّن في العلاقة بين الضاحية الجنوبية والبيّاضة وهي الانتخابات النيابيّة المقبلة والعمل على الحصول على الاكثريّة، بهدف إيصال رئيس جمهوريّة من رحم قوى الثامن من آذار. ويرى مراقبون أنّ الخلاف واستمرار باسيل بالتصعيد باتجاه “حزب الله”، من شأنه أن يدفع بالاخير إلى دعم رئيس تيار “المردة” سليمان فرنجيّة بقوّة، والسير به في الانتخابات الرئاسيّة على حساب باسيل.
ومع الازمة الاقتصاديّة والماليّة والمعيشيّة، تتخوف كلّ الاحزاب من أنّ يعمد الناخبون، وخصوصاً المغتربين، الى إحداث تغيير في صناديق الاقتراع، وتشكيل كتلة معارضة في مجلس النواب، ستُصعّب الامور على كلٍّ من 14 و8 آذار في الانتخابات الرئاسيّة. لهذا، يُشدّد المراقبون على أنّ الانتخابات النيابية والتحالفات بين الافرقاء، ستكون مهمة في الايّام المقبلة، من ناحيّة “التيار الوطني الحرّ” بشكل خاص، الذي يعمل على إعداد خلفٍ لرئيس الجمهوريّة ميشال عون، وهو جبران باسيل.
في الاطار، يُذكّر المراقبون أنّ باسيل لا يُمكنه فكّ المزيد من الارتباطات والتحالفات مع حلفائه، وخصوصاً بعد أنّ أصبح وحيدا في الشمال، وبعدما أصبح رئيس “حركة الاستقلال” ميشال معوّض مستقلا. إلى ذلك، فإن خلاف رئيس “الوطني الحر” الكبير مع الرئيس سعد الحريري، سيحجب عنه هذه المرّة الاصوات السنّية في قضاء البترون. ويُضيف المراقبون أنّ باسيل فقد أيضاً أصوات حليفه القديم، النائب الراحل ميشال المرّ في المتن، وهناك شبه تمايز بين “التيار” و”الطاشناق” في المواضيع السياسيّة، ولعلّ أبرزها كان إجتماع كتلة الارمن بشكل منفصل عن “لبنان القويّ”، وتسميّة الحريري لتشكيل الحكومة، قبل الرئيس نجيب ميقاتي. ومن شأن هذا التمايز أنّ يؤثر سلبيّاً في انتخابات المتن، حيث الثقل “الكتائبي”، وفي دائرة بيروت الاولى، حيث أنّ الحلف مع “الطاشناق” يُؤمن لـ”الوطني الحرّ” حواصل إنتخابية، بوجه لائحة “القوات اللبنانيّة” و”الكتائب” والمجتمع المدنيّ.وقد أتى تسجيل المغتربين، وما شكّله من مفاجأة بعدد الاصوات في دائرة الشمال الثالثة، والخطورة على مقعد باسيل النيابي، بعدما صبّت أغلبيّة الاصوات في هذه الدائرة في الانتخابات السابقة لصالح “القوات”. هنا، يلفت المراقبون الى تحالفات قويّة ستكون بوجه باسيل، ومنها “المردة – القومي – بطرس حرب – المستقبل”، المجتمع المدني، و”القوات”و” الكتائب” وثقلها الشعبي في هذه الدائرة. ازاء كل ما تقدّم، سيجد باسيل نفسه وحيدا، وخاسرا في الانتخابات النيابيّة، إن خاضها وحيدا من دون أيّ حليفٍ. لذا، يبقى “حزب الله” الاقرب إليه في حسم المقاعد النيابيّة في قضاء بعبدا، وزحلة، وبعلبك – الهرمل والمتن (الاصوات الشيعيّة في الرويسات والزعيترية) وجبيل. وإذا صعّد باسيل في كلمته المتوقعة نهار الاحد المقبل، وقرّر الطلاق مع “حزب الله”، فإنّ “القومي” و”الكتلة الشعبيّة” والنائب السابق اميل رحمة سيكونون بطبيعة الحال أقرب إلى الترشّح مع “حزب الله”، للتضييق على القوى المسيحية الاخرى.مسيحيّاً. وعليه، وبعد صعود المجتمع المدني وتسجيل المغتربين غير المسبوق من ناحية، وتحميل القريب والبعيد أسباب الازمة الاقتصاديّة لفريق “العهد” من ناحيّة ثانيّة، فإنّه وبحسب مراقبين وخبراء إحصاءات، سيكون “الوطني الحرّ” الخاسر الاكبر هذه المرّة في الانتخابات النيابيّة، والتي ستنعكس مباشرة على مشهد الانتخابات الرئاسيّة، ما قد يطيّر طموحات باسيل الرئاسيّة في العام 2022، إذا لم يُؤمن الاكثريّة النيابيّة مع “حزب الله”. أما بالنسبة لـ”الحزب” الذي لا يزال يؤكّد أنّ سلاحه هو ضمانة للبنان بوجه العدوّ الاسرائيلي، وبمحاربة الارهاب، فهو بحاجة ملحّة إلى حليفٍ مسيحيٍّ مثل “التيار الوطني الحرّ”، كغطاء لسلاحه مسيحيّاً، وتأجيل البحث بالاستراتجيّة الدفاعيّة إلى وقت لاحقٍ، لترقب لما ستؤول إليه نتائج محادثات فيينا، ولما ستعود إليه من إيجابيّات على منطقة الشرق الاوسط وعلى الحدود اللبنانيّة الجنوبية، وانتهاء بالحرب السوريّة والحرب في اليمن. صحيح أنّ “حزب الله” ومعه حركة “أمل” قدّما هديّة مجانيّة لخصوم “التيار” في المجلس الدستوري ، غير أنّ مراقبين يقولون إنّ “الحزب” سيعمل مع “الوطني الحرّ” على تجديد أو تعديل إتّفاق “مار مخايل” ليبقى الحليف المسيحيّ داعماً لقضيّة المقاومة وسلاحها. وكلّ ما من شأنّه أنّ يفكّ التحالف المسيحي – الشيعي، سيُعيد إلى الاذهان مشهديّة العام 2004، والمطالبة بتفعيل القرار 1559، بالاضافة إلى الصدامات في الشارع والاحتقان الطائفيّ، والمزيد من التأزم السياسيّ. لذا، من المتوقع أنّ تحمل الايام القليلة المقبلة مباحثات جديّة وصريحة بين صفا وباسيل، وتصويب الخطاب السياسيّ باتّجاه تصحيح العلاقة واستمرار التحالف بين “حزب الله” و”الوطني الحرّ”، على الا يشكل التناقض بين الاخير و”حركة أمل” موضوع خلاف في المستقبل بين “الحزب” و”التيّار”.