اختتم العام 2021 على عدم تحقيق أيّ تقدم في مسار ترسيم الحدود البحرية بين لبنان والأراضي الفلسطينية المحتلة. لبنان الغارق في خلافاته الداخلية لم يستفد من استعجال الجانب الإسرائيلي الإتفاق على الترسيم، بما يمكّن شركة “إنرجين” من العمل في حقل “كاريش”، خصوصًا أنّ الشركات العاملة في مجال التنقيب تتفادى العمل في مناطق متنازع عليها، من هنا كان هناك مصلحة إسرائيلية بإنجاز الترسيم. الأمر الثاني الذي ضيّعته الخلافات اللبنانية هو الخط 29 الذي أنجزه الجيش مستندًا إلى قانون البحار.
اليوم يجري الحديث عن عودة مستشار وزير الخارجية الأميركي لشؤون الطاقة والوسيط في المفاوضات غير المباشرة للترسيم البحري أموس هوكشتاين إلى بيروت، منتصف الشهر المقبل، لإعادة البحث في التفاوض. في السياق كشفت مصادر متابعة لـ “لبنان 24” أنّ هوكشتاين كان قد أبلغ الجانبين اللبناني والإسرائيلي أنّ مهمّته غير مفتوحة زمنيًّا، وأنّه وضع سقفًا زمنيًا لها بنهاية شهر آذار المقبل، وأنّ على الجانبين اللبناني والإسرائيلي أن يحسما موقفهما قبل التاريخ المذكور.
تحديد شهر آذار مرتبط بالشركة الأميركية “أنرجين”، التي سترسل في الشهر المذكور سفينةً للإنتاج إلى حقل “كاريش” تُعرَف باسم FPSO، وفي حال لم ينجز الإتفاق بين لبنان وإسرائيل، ستعمد الشركة إلى تجميد العمل، لذلك سنكون أمام ثلاثة أشهر حاسمة في ملف الترسيم.
هوكشتاين ومنذ بداية مهمته طرح معادلة تفاوضية جديدة قائمة على استبدال التفاوض على الخطوط بالتفاوض على الحقول والثروة، بالتالي إهمال كل من الخطين 23 أو 29. في المعادلة الجديدة يمكن للبنان أن يستفيد من حقل “قانا” مقابل حقل “كاريش”، بمعنى أنّه وفق الخط 29 حقل كاريش متنازع عليه، وجزء منه يدخل ضمن المساحة الخاصة بلبنان، بالمقابل حقل “قانا” وفق الخط رقم 1 الذي يتمسّك به العدو الإسرائيلي، يقع ضمن حدوده، استنادًا إلى الطرح الجديد يصبح حقل “قانا” بكامله للبنان، وهو ما أثبتته دراسة الوفد اللبناني، وحقل “كاريش” يصبح بكامله للجانب الإسرائيلي. وهكذا يكون الترسيم قد بُني على اقتسام الحقول وليس الخطوط.
عمليًّا في حال نجحت هذه المعادلة، يكون لبنان قد حصل على كامل مساحة الـ 860 كلم2 المتنازع عليها ضمن الخط 23، ولم يقتسمها مع العدو الإسرائيلي، ومنحه حقل “قانا” جزءًا من المساحة الواردة في الخط 29.
أمام لبنان فرصة استثنائية لتوحيد موقفه الرسمي من الترسيم، والإقلاع عن تعطيل مؤسساته الدستورية، وتثبيت حقّه في حدوده عبر توقيع المرسوم 6433 المعدّل، ليتم التفاوض انطلاقًا من المعطى الجديد، بما يكسب لبنان حقل “قانا”، والإستفادة من حاجة إسرائيل للترسيم قبل آذار. كل ذلك يتطلب معاودة جلسات مجلس الوزراء، والإنطلاق لمقاربة الملفات الوطنيّة والسيادية الكبرى، وعدم تضييع الفرص في الإستفادة من الثروة النفطية والغازية الموجودة في أعماق البحار، فيما العدو سبقنا إلى التنقيب ويتحضّر للإنتاج، ونحن لا زلنا على انقساماتنا المخزية.