بعدما بدا واضحًا أنّ طاولة حوار بعبدا “تصطدم” بمجموعة من “الألغام والمعوقات”، في ضوء إشهار عدد من المدعوّين المفترضين سلاح “المقاطعة” في وجهها، لجأ رئيس الجمهورية ميشال عون، في الوقت “المستقطَع”، إلى لقاءات “تعويض” ثنائيّة، على أن يتّخذ بعدها قراره “النهائيّ”، إما بالمضيّ في “مخطّطه”، أو غضّ النظر عنه.
لكن، مرّة أخرى، لم تجرِ الرياح كما كانت تشتهي سفن “العهد”، فجاءت اللقاءات “الثنائيّة” دون المأمول منها، خصوصًا أنّها أيضًا لم تشمل الجميع، بعدما “قاطعها” البعض كرئيس تيار “المستقبل” سعد الحريري، الذي اكتفى بما أبلغه للرئيس “هاتفيًا”، ورئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع، الذي تعمّد إطلاق “حملاته الانتخابية” بالتزامن مع اجتماعات بعبدا.
ومع أنّ أوساط الرئاسة سعت إلى رمي “الكرة” في ملعب المقاطعين والمعترضين، على أساس أنّهم رفضوا “تلبية” دعوة حواريّة في مثل هذا التوقيت الحسّاس، وفوّتوا فرصة “توافق” من شأنه أن “يريح” اللبنانيين، لم تنجح اللقاءات “الثنائية” في “ترسيخ” هذا المبدأ، بل لعلّها جنحت، على العكس من ذلك، نحو “تكريس” صورة تفرّق أكثر ممّا تجمع، وهنا بيت القصيد!
“كسر جليد”
قد يكون “كسر الجليد” هو أهمّ ما تمخّض عن لقاءات بعبدا “الثنائية”، بالمفرّق أو بالجملة، ولعلّه شكّل “الثمرة الأكبر” التي جنتها بعبدا من دعوتها “الحواريّة”، بحسب ما سجّل متابعون، علمًا أنّ اللقاء الذي جمع رئيس الجمهورية برئيس كتلة “الوفاء للمقاومة” النائب محمد رعد أثار الاهتمام، لكونه الأول من نوعه، منذ ظهور “التباين” بين الرئاسة و”حزب الله”، وبين الأخير و”التيار الوطني الحر” بصورة أعمّ.
وإذا كان الجانبان “قفزا” فوق الاختلافات، ليرسّخا صورة “توافق” على أهمية الحوار في هذه المرحلة الصعبة التي يمرّ بها الوطن، خطف لقاء آخر الأنظار، هو ذلك الذي جمع الرئيس عون برئيس تيار “المردة” سليمان فرنجية، بعد طول انقطاع، ولو أنّه لم ينتهِ إلى “توافق” شبيه، بعدما أعلن “البيك” أنّه لن يشارك في حوار بعبدا، الذي صوّره وكأنّ لا هدف له سوى “الصورة”، ولو تعهّد بالسير بما يتقرّر في الاجتماع.
وبدت بصمات “حزب الله” حاضرة برأي كثيرين، في اللقاء الذي جمع عون وفرنجية، الذي شكّل حضوره إلى بعبدا “مفاجأة” بالمعنى المركزي، ولو أنّه سبق أن قال إنّه “يلبّي” أيّ دعوة رئاسيّة تأتيه، علمًا أنّ الأخير أقرّ بوجود “مساعٍ” يبذلها الحزب “للخير” بين الفريقَين، وثمّة من ربط الأمر بالأزمة الأخيرة بين “الحزب” و”التيار”، والتي جعلت الأول يشعر بوجوب “ترتيب الأمور” بين حلفائه، منعًا للمزيد من “الاحتقان” الذي ينعكس سلبًا عليه بطبيعة الحال.
ماذا بعد؟
لكن، أبعد من “كسر الجليد”، ما الذي حقّقته لقاءات بعبدا الثنائيّة؟ وإلى أيّ مدى يمكن القول إنّها “خدمت” العهد فعليًا، وهو الذي رأى كثيرون أنّه يسعى لـ”إنقاذ” ما تبقّى من “هيبته” في سنته الأخيرة، الأمر الذي يفسّر أساسًا دعوته، التي يرى كثيرون أنّها “تأخّرت كثيرًا”، إلى حوار في الوقت “الضائع”، على بعد أشهر من الانتخابات النيابية؟
قد تكون الإجابة الأقرب إلى الواقع أنّ العكس هو الصحيح، إذ إنّ هذه اللقاءات لم تأتِ في صالح “العهد”، وقد ظهر مرّة أخرى في “عزلة” عن محيطه، بخلاف الصورة التي أراد تكريسها، من خلال التركيز على صورة الرئيس “القوي”، الذي لا يبدو قادرًا حتى على جمع الأفرقاء حول طاولة مستديرة، ولو من أجل الصورة فقط لا غير، فكيف بالحريّ إذا بدا “عاجزًا” عن إقناع بعض الأفرقاء بمجرّد الاجتماع معه، من باب “التشاور”.
صحيح أنّ هناك بين المحطين بالرئيس من سيعتبر الأمر جزءًا من “الحملة” التي تُشَنّ على “العهد”، وأنّ الرئيس قام بواجبه من خلال دعوة الجميع إلى الحوار والتشاور، وهو الحدّ الأدنى الممكن في ظلّ الظروف الحاليّة، لكن ثمّة بينهم من يعتقد أنّ فكرة الحوار بحدّ ذاتها، مع كلّ ما ترتّب عليها، لم تكن في مكانها، وأنّ “توظيفها” بالشكل الذي حصل، للإضرار بـ”العهد”، هو أمر “بديهي وطبيعي”، قبل أشهر من الانتخابات “الموعودة”.
صحيح أنّ الحوار في المبدأ هو أمر ضروريّ ولا بدّ منه في كلّ الأوقات، لكنّ “الظروف المحيطة” به لا تقلّ أهمية عن المضمون. من هنا، يعتقد كثيرون أنّ الرئيس “تورّط” بدعوة حواريّة في غير زمانها ومكانها، فإذا بمحاولات “اللفلفة” تزيد الأمر سوءًا، كما ظهر في لقاءات بعبدا، التي رسمت خطًا فاصلًا، بمعزل عن “المسار” الذي ستسلكه الأمور بعدها، سواء لجهة “تثبيت” الحوار، أم “إلغاءه” بكلّ بساطة..