على هدوئه يستمّر الرئيس نجيب ميقاتي. يعرف أنه يترأس الحكومة في أحلك الظروف. تبدو حكومته منذ انطلاقتها وكأنها حكومة تصريف أعمال. لكنه يرفض التراجع. يبدو واثقاً أن لا الوضع الداخلي ولا الوضع الخارجي يسمح له بالتراجع، ولا يسمح للبلاد بالذهاب أكثر إلى الانهيار. فلو لم تكن الحكومة موجودة وقائمة، لكان الوضع أسوأ من ذلك بكثير.
الاستحقاق المقدس
يعتبر أن وضع الانهيار حالياً أصبح “مسطحاً”، بينما لو لم تتشكل الحكومة لكان الانهيار سحيقاً، ولاستمر الوضع نزولاً بشكل سريع ومريع. وكما كان في السابق ممنوع على لبنان أن ينهض أو أن يتلقى مساعدات، هناك حالياً معادلة واضحة: “الحكومة ممنوعة من السقوط، ورئيسها ممنوع من التراجع”. لذا، يعرف الرجل أن الظرف استثنائي، والحسابات السياسية تضرب عمل مجلس الوزراء. مع ذلك، هو مصمم على أن الحكومة تعمل، وأن هناك فرقاً دستورياً بين الحكومة ومجلس الوزراء. فتسمية مجلس الوزراء تُطلق عندما يكون في حالة اجتماع، أما الحكومة فهي سلطة كاملة متكاملة تستأنف عملها، ولو لم تعقد اجتماعات لمجلسها الوزاري. والاستعاضة عن ذلك يتم من خلال الاجتماعات اليومية التي يعقدها رئيس الحكومة مع جهات داخلية وخارجية، وأهمها صندوق النقد، للوصول إلى اتفاق لإقرار خطة التعافي المالي والاقتصادي.
يواجه ميقاتي ملفات كثيرة. الوضع المالي والاقتصادي. الأوضاع التربوية والمعيشية والصحية. الخلافات السياسية والقضائية المستمرة، واستحقاق الانتخابات النيابية. وهذا الاستحقاق مقدس. وبرأيه، يجب أن تحصل الانتخابات في موعدها. يقول: “عندما وقّعت مرسوم دعوة الهيئات الناخبة، كان الهدف استباق أي مشاكل سياسية قد تحصل وتنعكس على عمل الحكومة، فتُتخذ أي ذريعة لتأجيل الانتخابات أو الطعن بتوقيع مرسوم دعوة الهيئات الناخبة، فيُطعن بالانتخابات كلياً”.الموازنة وسعر الصرفحالياً يتركز العمل من أجل إنجاز الموازنة. وهي الامتحان الأساسي لكل القوى السياسية. فلا يمكن للبلد أن يستمر من دون إقرار موازنة. وهي الفيصل الذي لا بد من حسمه قبل التفاوض مع صندوق النقد الدولي.يؤكد الرئيس ميقاتي أن الموازنة ستكون جاهزة في غضون عشرة أيام. وعندما أعلن أنها ستنتهي خلال يومين، لدى زيارته رئيس الجمهورية، كان يقصد أن قانون الموازنة سيكون جاهزاً خلال يومين. وبالفعل كان جاهزاً. تبقى الأيام العشرة بانتظار انتهاء كل ملاحق الموازنة وأرقامها، وكيف سيتم احتساب سعر صرف الدولار، في ظل تعميم مصرف لبنان، لاعتماد سعر منصة صيرفة في مختلف القطاعات، وهذا أمر سيحسم من خلال الموازنة العامة.
لا صدام مع “الثنائي”
لا يخفي استياءه من عدم عقد جلسات مجلس الوزراء، لكنه يقول: “أنا ألتزم بعدم الصدام أو استفزاز أي فئة في البلد. هناك مكون أساسي -خصوصاً بعد أحداث الطيونة- قاطع مجلس الوزراء. وأنا لن أدعو إلى جلسة لاستفزازه، طالما أنه لم يوافق على الحضور”. مضيفاً أنه إبن هذه المدرسة التي تؤمن بالحرص على الآخرين، حتى وإن كان الدستور ينص على وجوب عقد جلسات لمجلس الوزراء بحضور ثلثي الوزراء. ويعود ويشدد على أنه سيدعو إلى جلسة حكومية عندما يتسلم مشروع الموازنة كاملاً، وحينها سيوزعه على الوزراء ضمن مهلة 72 ساعة، ويدعو إلى جلسة. ولكن هل سيوافق الوزراء الشيعة على الحضور؟ يجيب بأنه حتى الآن لم يبحث مع الثنائي الشيعي بهذا الأمر. ولكن لا يمكن لأحد أن يتحمل تعطيل إقرار الموازنة. وإلى حينها، سيتم البحث عن مخارج. وعند سؤاله عن احتمال إيفاد الثنائي الشيعي لوزير المال لحضور الجلسة، يرفض الدخول في التفاصيل. معتبراً أن الأمر يحلّ في حينه، وينسق بالأمر مع الرئيسين ميشال عون ونبيه برّي.عون-برّي.. صراع مستمريحدد ميقاتي المهام الأساسية لحكومته، وهي أن تشكل عنصر حماية للبنان من الارتطام، وتخفيف حدّة الصدمة بسبب الانهيار. وثانياً، وضع الخطة المتكاملة للتفاوض مع صندوق النقد. وثالثاً، إجراء الانتخابات في موعدها. أما عن الصراعات السياسية بين القوى الأخرى، وخصوصاً بين رئيسي الجمهورية ومجلس النواب، فيعتبر أنه صراع سيستمر من الآن حتى الانتخابات النيابية والرئاسية أيضاً. وقد يتصاعد الخلاف حتى 31 تشرين الأول 2022. ولكن على الحكومة أن تكون موجودة وتعمل للتخفيف من تأثيرات هذه الصراعات على اللبنانيين والوضع المعيشي والاقتصادي. خصوصاً أن معركة جديدة ستندلع بعد الانتخابات، تتعلق بتشكيل الحكومة. وحينها ستُفرض شروط كثيرة من قبل رئيس الجمهورية لآلية تشكيلها قبل فترة قصيرة من انتهاء ولايته. وعلينا الأخذ بالاعتبار أن هذه الحكومة قد تستمر في ظل الفراغ الرئاسي، بحال لم يتم انتخاب رئيس جديد. مشدداً على ضرورة تطبيق اتفاق الطائف بشكل كامل، فلم يطبق أي حرف أو بند منه.الرؤساء السنّة والانتخاباتلم يتخذ ميقاتي قراره حتى الآن بشكل نهائي بما يخص خوضه الانتخابات النيابية. فهو يقول إنه لا يزال يبحث في الأمر، وإذا كان سيعلن ترشّحه. أما على صعيد الوضع السنّي، فيعتبر أنه على تنسيق دائم وكامل مع رؤساء الحكومة السابقين، ومع الرئيس سعد الحريري بالتحديد، معتبراً أن الحريري سيعود قريباً، وسيُعقد اجتماع بين الرؤساء الأربعة لاتخاذ قرار مشترك حول الانتخابات النيابية، لافتاً إلى أن الحريري لم يحسم قراره لجهة مشاركته في الانتخابات حتى الآن. مؤكداً أنه سيكون هناك تنسيق وتعاون فيما بينهم لبلورة هذا القرار.حزب الله والخليجوحول الخلاف الذي حصل مؤخراً مع حزب الله، بعد كلام أمين عام الحزب، السيد حسن نصر الله، يعتبر ميقاتي أن واجبه حماية اللبنانيين ومصالحهم وعدم التسبب بأي ضرر لعلاقات لبنان الخارجية. ولذلك أصدر هو هذا البيان، انطلاقاً من الحرص على العلاقات اللبنانية الخليجية، وعلى مصالح اللبنانيين أيضاً. ويعبر عن أسفه لمؤتمر المعارضة السعودية الذي نظمه حزب الله، معتبراً أن هذا أيضاً يلحق الضرر بمصالح لبنان واللبنانيين، ويدل على التدخل في شؤون الدول العربية، مشيراً إلى أنه لا يمكنه منع إقامة مجلس عزاء، ولكن يمكن مطالبة القائمين عليه بعدم الإساءة إلى علاقات لبنان وإلى دول شقيقة وصديقة.الغاز والكهرباءيبدي ميقاتي تفاؤله بجدية المواقف الدولية الساعية لمساعدة لبنان، على أن يسهم اللبنانيون في مساعدة أنفسهم. وهو يؤكد أن المفاوضات مع صندوق النقد الدولي جدية وستصل إلى نتائج، كذلك الأمر بالنسبة إلى مواقف دول صديقة للبنان، كمصر التي تسارع لإنجاز الترتيبات اللازمة لإيصال الغاز المصري إلى لبنان، وكذلك بالنسبة إلى الأردن. معلناً أن الاتفاق سيتم توقيعه قريباً لاستجرار الغاز والكهرباء، خصوصاً أن مصر نجحت في الحصول على استثناء من قانون قيصر لتوريد الغاز وتمريره عبر سوريا. ويتم إعداد الاتفاقية التي ستتضمن آلية واضحة لتوريد الغاز والكهرباء للبنان بعد الحصول على الاستثناء الأميركي.صندوق النقد ورياض سلامةالأهم بالنسبة إليه هو التركيز على مفاوضات صندوق النقد الدولي. من هنا يبدي رفضه لكل محاولات إقالة حاكم مصرف لبنان، رياض سلامة. ويقول إن سلامة هو الممسك بكل الملفات المالية، ولا يمكن حالياً تعيين شخص بدلاً منه، لأن هذا الشخص سيأتي ويأخذ وقتاً لمعرفة كل الخبايا، وعند كل مطب يتعرض له سيقول هناك إرث ثقيل تركه سلامة، ولذلك هو لن يتمكن من العمل. ويضيف ميقاتي: “قلت لسلامة عليك أن تساهم في إخراج البلد من هذا الوضع، واللي طلّع الحمار عالميدنة بينزلو”. ويعتبر أن لا اتفاق على تعيين بديل لحاكم مصرف لبنان، وبالتالي، من الأفضل استمراره في التفاوض. وبعد الانتهاء لكل حادث حديث. وحينها يتخذ القرار المناسب. أما حول التحرك القضائي بحق سلامة فيقول: “أنا لا أتدخل بعمل القضاء، ويجب على القضاء أن يستدعي أي كان للتحقيق، ووفق الطريقة الموزونة والمعتمدة قضائياً، ولكن ليس وفق طرق غير منطقية، كاستخدام جهاز أمني مسلح للدخول إلى أماكن ومقرات، فحتى إسرائيل عندما اجتاحت بيروت لم تدخل إلى مؤسسات بالسلاح وبهذا الشكل”.أما حول ما حُكي عن اتفاقات تحصل تارة وتتعرقل تارة أخرى على صفقات للتعيينات، وحول التحقيق في تفجير المرفأ، فيقول ميقاتي إنه لا يتدخل بعمل القضاء، ولا علاقة له بالتعيينات وغيرها من الصفقات. مؤكداً أنه لن يحصل في حكومته أي إقرار لأي تعيين، لأن وضع البلد سيء جداً، ولا أحد متفرغ للدخول في صراع التعيينات والتشكيلات، لا في القضاء، ولا في الأمن ولا في التشكيلات الديبلوماسية. حالياً الهم الأساسي هو للوضع المالي ومعالجته ووقف حدة الانهيار.