خلال حياتنا، نمر بأشخاص جامدين وغير متفاعلين مع الحياة ويواجهون صعوبات في إنشاء علاقات اجتماعية والتواصل مع أفراد أسرهم وشركائهم. وسبب ذلك، بحسب ما يوضحه علماء النفس، هو خلل في قدرتهم على التعبير عن أنفسهم ومشاعرهم واعتمادهم على الكبت والكتمان والتناسي (النسيان العمد) كحل دائم. ويترتب على ذلك فقدانهم للقدرة على الشعور والتفاعل مع أي مشاعر يشعرون بها (سواء الحزن أو الفرح والمتعة) والقدرة على التواصل النفسي والفكري مع الآخرين.
ولكبت المشاعر أو التغاضي عدة تأثيرات سلبية في صحتنا، سواء على المدى القصير أو البعيد، وما لا يعيه البعض هو أن المشاعر السلبية لا تختفي وتنقشع، بل تحتبس في داخل الشخص الكتوم إلى أن يسمح لها بالتحرر والخروج بطريقة ما، أو أنها ستمارس الضغط والتدمير للصحة النفسية والبدنية. ورغم عدم تمكن الطب الحديث من تفسير آلية تأثيرها فإنه أثبت دورها في تحفيز الإصابة بالأمراض النفسية أو البدنية.
تأثيرات ضارة
1 – الإجهاد النفسي والبدني:
للعواطف طاقة تدفعها إلى التعبير، وكبحها يتطلب قوة وطاقة مضادة نفسية وبدنية، ما يبرر ما يرافق كتم المشاعر من انقباض وشد عضلي وثقل على الصدر وصعوبة في التنفس. ويمكن لأعراض، مثل القلق والاكتئاب والكتمان أن تسبب ضغطاً على العقل والجسم، ما يؤدي إلى الشعور بالإرهاق وانخفاص الطاقة والإجهاد العاطفي.
أعراض تظهر على الكتوم:
– كثرة النوم.
– الإرهاق.
– برودة الأطراف.
– قلة الطاقة البدنية.
– الصداع.
– ضعف المناعة.
مما يؤدي بدوره إلى تكرار الإصابة بالأمراض الالتهابية والاضطرابات المناعية.2 – تدمير العلاقة الزوجية:كتم المشاكل النفسية ومشاعر الغضب والالم عن الشريك سيؤدي الى تراكمها لفترة طويلة الى ان تنفجر في نهاية المطاف لتتسبب بردة فعل مضاعفة ومبالغ فيها عند مرور الكتوم بموقف قد يكون بسيطاً نسبياً. ونظراً لأن الكتمان يحدث استنزافاً في قوة وقدرة الكتوم على كبت مشاعر الغضب والحزن فسيخرج جميع مشاعره بشكل عشوائي في الوقت غير المناسب ومن دون أن يفهم الطرف الآخر السبب. والنتيجة هي خلافات ومشاكل وشعور بالصدمة والاستياء وعدم العقلانية من قبل الطرف الثاني.
وتجدر الإشارة الى أن تعبير الأزواج عن مشاعرهم في ذات اللحظة أو بعدها بفترة قصيرة من الأمور التي تقوي شعورهم بالتواصل والحب.3 – تدهور الصحة:أثبتت الدراسات أن عدم التعامل السليم مع مشاعر القلق والغضب والحزن وكتمها له تأثير ضار لصحتنا الجسدية والنفسية. فهو لا يسبب أمراضاً نفسية، مثل الاكتئاب والفصام ومتلازمة ما بعد الصدمة فقط، بل أعراضاً فسيولوجية كالألم والدوخة والإرهاق واضطرابات النوم والضعف البدني وارتفاع ضغط الدم والسكر وانخفاض القدرات الذهنية والبدنية وضعف المناعة، وأعراضاً هضمية وتنفسية.كما أثبتت عدة دراسات دوره في الإصابة بمشاكل خطرة، مثل نوبة القلب، والاصابة بأمراض مستعصية وفقدان القدرة على السيطرة على اعراضها، مثل: الروماتيزم، السكري، الروماتويد، التصلب اللويحي المتعدد، أمراض الجهاز الهضمي، اضطراب الجهاز المناعي وحتى الأورام الخبيثة.4 – تدهور الذاكرة والقدرات الذهنية:يؤثر كبت المشاعر في القدرات الذهنية، فيسبب انخفاض القدرة على التركيز والتذكر والقيام بالمهام الذهنية المعقدة. وقد أظهرت عدة دراسات أن كبت المشاعر وارغام النفس على تناسيها والتغاضي عنها سيدرب الذهن على النسيان العمد، ما سيؤدي الى اضعاف القدرة على تذكر الاحداث والمواقف وانخفاض الذاكرة بشكل عام. ويمكن القول إن إهمال المشاعر والتغاضي عنها وتعمد نسيانها، سيسبب إرباكاً لقدرات العقل الذهنية. فأنت بذلك تطلب من عقلك أن يتناسى مشاعرك ويهملها ولا يتذكرها. وما يفعله دماغك هو أنه يستجيب لك، ولكنه يقوم بتقليل قدرتك على تذكر الأحداث الأخرى أيضاً، ما يفسر انخفاض قدرة التذكر لدى من تعودوا على كبت وتناسي كل ما يؤلمهم ويزعجهم.
طريقتان للتعبير لمن يصعب عليه ذلك:
ذكرت اريكا هانتر، المعالجة النفسية في كتابها «قوى المشاعر» عدة طرق سليمة للتعبير عن الافكار والمشاعر يمكن لمن لا يعرف كيفية التعبير عن مشاعره أن يتبعها، مثل:
1 – تحديد وقت للقاء:
ويكون ذلك بطلب من يشعر بمشاعر وأحاسيس مكبوتة تحديد موعد للقاء الشخص أو الشريك، فيجتمعان للتحدث حول ما يشعر به الشخص الكتوم ولكن بعد أن يتفقا على عدة أمور. وهي:
– الهدف من اللقاء هو محاولة إزالة أي أحاسيس سلبية.
– أن ينصت كل طرف للآخر من دون مقاطعة أو تبرير.
– أن يتحمل كل طرف مسؤولية شعوره بأن يستخدم ضمير “أنا” مثل “أنا أشعر” و”أنا أعتقد”، ولا يستخدم كلمات مثل “أنت جعلتني أشعر” أو كلمات لوم للآخر.
– أن يتم التركيز على موقف واحد أو موقف تلو الآخر وليس على العلاقة بشكل عام.
– في النهاية، يختم الحديث بالاتفاق على حل يرضي الطرفين.
فهذه اللقاءات توطد العلاقة وتتجاوز مشكلة عدم القدرة على التعبير عن المشاعر كما تزيد من شعور الطرفين بالراحة والمودة والتفاهم.2 – كتابتها في ورقة:في دراسة لجيمس بنيبيكر وهو عالم نفس من جامعة ساوثرن ميثوديست، طلب فيها من المتطوعين كتابة الخبرات الأكثر ازعاجاً في حياتهم والتخوفات التي تشغلهم حالياً لمدة 15 إلى 20 دقيقة ولمدة خمسة أيام. وأظهرت النتائج تحسناً ملحوظاً في قوة مناعة وطاقة المتطوعين بشكل كبير، ما أدى الى انخفاض اصابتهم بالمرض وعدد مرات زيارتهم للطبيب، ما يدل على ان كتابة وتدوين المشاعر من الامور الفعالة للتفريغ عنها. لذا، ينصح من لديه رهبة من التعبير وخوف من ردة فعل الآخرين بكتابة مشاعره في ورقة.