رأى رئيس الحكومة نجيب ميقاتي أنّ وزير الاقتصاد أمين سلام تسرّع حين حدّد، باجتهادٍ منه، يوم الإثنين المقبل موعداً لاستئناف جلسات مجلس الوزراء وعلى طاولته مشروع الموازنة.
صحيح أنّ وزير المال يوسف خليل وَعد ميقاتي بإرسال مشروع الموازنة إلى الأمانة العامّة لمجلس الوزراء غداً الخميس أو الجمعة، إلا أنّ “ألغاماً” لا تزال تتحكّم بـ”مسارها” من وزارة المال إلى السراي. ويُفترض أن يتمّ توزيعها على الوزراء للاطّلاع عليها قبل 48 ساعة من جلسة مجلس الوزراء.
تفيد المعلومات أنّ وزير المال توافق مع رئيس الحكومة والفريق المفاوض لصندوق النقد الدولي على السعر الذي سيجري اعتماده لتحديد نفقات وواردات الموازنة، لكن جرى التكتّم عليه
وفي هذا الإطار، تفيد المعلومات أنّ وزير المال توافق مع رئيس الحكومة والفريق المفاوض لصندوق النقد الدولي على السعر الذي سيجري اعتماده لتحديد نفقات وواردات الموازنة، لكن جرى التكتّم عليه.
وستحدّد الساعات المقبلة توقيت إرسال الموازنة إلى السراي وتحديد أولى جلسات إقرارها مع سؤال كبير يُطرح: هل صدر القرار السياسي بالتوافق على مشروع موازنة ينتظرها المانحون ضمن ملفٍّ واحدٍ مع خطّة التعافي المالي والاقتصادي لتقرير وجهة المفاوضات مع صندوق النقد الدولي وتدفّق دولاراته؟
يرتبط السؤال بشكل وثيق بمآل المناخات السياسية التي ستحكم عمل مجلس الوزراء في المرحلة الفاصلة عن الانتخابات النيابية ونهاية الولاية الرئاسية في ظلّ الخلاف المستحكم بين الرئاستين الأولى والثانية، وتعاطي بعبدا مع رئيس الحكومة باعتباره قائد فريق المحور الخصم للعهد، فيما أحد “جنرالات” هذا الفريق هو حاكم مصرف لبنان رياض سلامة الذي يخوض العهد معركة الإطاحة به.
صلاحيات رئيس الحكومة
تقول أوساط قريبة من رئيس الجمهورية لـ “أساس”: “انتظرنا من رئيس الحكومة أن ينتفض ضدّ “استيلاء” حركة أمل وحزب الله على صلاحيّات رئاسة الحكومة المعنيّة الأولى بتحديد جدول أعمال جلسات مجلس الوزراء بالتنسيق مع رئيس الجمهورية الذي تحقّ له إضافة ما يراه ضرورياً إلى جدول الأعمال، لكنّه “على كعب” بيان العودة رحّب بخطوة الثنائي الشيعي، التي تشكّل تعدّياً فاضحاً على صلاحيّاته كرئيس للحكومة وصلاحيّات الرئاسة الأولى، وذهب في حديث إعلامي إلى حدّ المجاهرة بـ”تقديره” لموقف الثنائي الإيجابي”.
وتؤكّد أوساط عون أنّ “هذا الموضوع كان في صلب اللقاء الذي جَمَع عون بميقاتي في قصر بعبدا أمس، وجرى التطرّق إلى جدول أعمال الجلسة المقبلة”.
وقد عكس باسيل في مؤتمره الصحافي أمس هذا الأمر من خلال تأكيده أنّ خطوة الفريق الشيعي “جيّدة لكنّها غير كافية”، مؤكّداً “التمسّك بصلاحيّات رئيس الحكومة في وضع جدول الأعمال والتفاهم عليه مع الرئيس عون”.
وفيما بشّر ميقاتي بـ”لقاء الأسبوع المقبل في مجلس الوزراء”، فقد عبّر عن انزعاجه أمام رئيس الجمهورية من قرار القاضية غادة عون التي استبقت لقاء الرئيسين بإصدارها قراراً يضع إشارة منع تصرّف على السيارات والعقارات العائدة لحاكم مصرف لبنان، وذلك في أعقاب قرار منع السفر بحقّه”.
أمّا عون فعاير رئيس الحكومة “بتدخّله المباشر لمنع تنفيذ قرار قضائي بالدخول إلى عدّة مصارف للاستحصال على بيانات مالية خاصة بشقيق سلامة”.
تفيد معلومات أنّه من ضمن اجتماعات الاستعداد للانتخابات بين التيار الوطني الحر وحزب الله، قال الأخير كلاماً صريحاً مفاده ضرورة إقلاع باسيل عن “مسرحية” شدّ العصب
رسائل باسيل لبرّي وفرنجية
يستعدّ مجلس النواب لعقده الاستثنائي الذي بدأ في العاشر من الجاري، ولكن لا تتوقّع أوساط عون “أيّ تقدّم “مِحرِز”. وآخِر الدلائل عرقلة إقرار قانون استعادة الأموال المحوّلة إلى الخارج واستعادة الودائع”.
وتتحدّث الأوساط عن “قوانين شكليّة فقط وغير مؤثّرة قد يقرّها مجلس النواب في المرحلة المقبلة من باب الكيديّة والعرقلة السياسية الواضحة”.
مع ذلك، تُقابل هذا التصعيد من الجانبين إشارات بدأ باسيل إرسالها في أكثر من اتجاه، إن إلى سليمان فرنجية أو إلى الرئيس نبيه برّي.
إذ رُصدت في اليومين الماضيين سلسلة معطيات مستجدّة على الساحة الداخلية، منها إقرار باسيل للمرّة الأولى، خلال لقائه أهالي الموقوفين في قضية المرفأ، أنّ وزير المال السابق علي حسن خليل “قام بشغله” في ما يتعلّق بمسؤوليّته في انفجار مرفأ بيروت.
وحتّى تحريك ملفّ أهالي الموقوفين بحدّ ذاته يبدو كأنّه إشارة عونيّة سلبيّة ضدّ المحقّق العدلي طارق البيطار، إضافة إلى اتّهام باسيل الأخير بالمماطلة في إصدار القرار الظنّيّ و”عدم الإنتاجية”، وإعادة التذكير بضرورة إنشاء هيئة اتّهامية تُقدَّم أمامها طلبات ردّ القاضي البيطار.
وفي سياق إعادة التموضع العوني جاءت أمس زيارة وفد التيار الوطني الحر، برئاسة نائب باسيل الوزير السابق طارق الخطيب، إلى دار الإفتاء الجعفري في صور، واجتماعه مع المسؤول الثقافي المركزي في حركة أمل الشيخ حسن عبدالله. وقد انتهى الاجتماع بتأكيد الخطيب أنّ “الخلاف والتباعد بيننا يقفان عند حدود المصلحة الوطنية، وقدرنا أن نعيش معاً”.
وهنا تفيد معلومات أنّه من ضمن اجتماعات الاستعداد للانتخابات بين التيار الوطني الحر وحزب الله، قال الأخير كلاماً صريحاً مفاده ضرورة إقلاع باسيل عن “مسرحية” شدّ العصب، مؤكّداً أنّه حاضر لمساعدته في المناطق المشتركة، لكن ليس على حساب الحلفاء.
وبهذا المعنى قال الحزب لحليفه المسيحي المأزوم إنّ “لغة التجييش لن تساعد في ترتيب الأجندة الانتخابية المشتركة. ولذلك لن نرضى أن تفتح معركة ضدّ النائب إبراهيم عازار في جزّين باعتباره “صنيعة نبيه برّي”، لأنّه حالة جزّينيّة لها حيثيّتها وقاعدتها.
وفي كسروان لن يكون دعمنا لك على حساب فريد هيكل الخازن، وفي زحلة ليس على حساب حليفنا بيار فتوش إذا أكمل آل فتوش معركتهم الانتخابية، وفي بعلبك – الهرمل يجب أن تكون المعركة من أجل سحب المقعد الماروني من القوات وليس “تقشيط” الحزب القومي مقعد الكاثوليك”.
هي تكتيكات انتخابية بين الحليفين لن تكون مفصولة عن المشهد الحكومي الذي يجري الإعداد له من باب الموازنة وخطة التعافي، والذي سيشكّل حقّل اختبار لعلاقة العهد مع كلّ القوى السياسية.
ويأتي تراجع الثنائي الشيعي عن قرار مقاطعة جلسات مجلس الوزراء بالتزامن مع انخفاض سعر صرف الدولار ضمن إطار “الترقيع” المستمرّ في ثوب أزمة لم تعد تصلح معها الحلول المُصطنعة والقصيرة الأمد.
فيما يصرّ ميقاتي على عدم الدعوة إلى جلسة مجلس الوزراء إلا بعد جهوز الموازنة التزاماً بـ”كتيّب إرشاد” الثنائي الشيعي، تبدو هذه النقطة خلافيّة مع قصر بعبدا ربطاً بحالة الطوارئ المُعلَنة التي تفرض، برأي أوساطه، انعقاد مجلس الوزراء فوراً في جلسات متتالية.
وسيتوسّع الخلاف أكثر مع رغبة عون وباسيل بملء الشغور في مواقع إدارية وقضائية ودبلوماسية من خلال القيام بتعيينات شاملة.