تساؤلات تطرح لمرحلة بعد الحريري.. ما هي؟

25 يناير 2022
تساؤلات تطرح لمرحلة بعد الحريري.. ما هي؟

رغم كل التسريبات والتحليلات التي مهّدت للحظة إعلانه “تعليق” عمله في الحياة السياسية، كانت كلمة الرئيس سعد الحريري، أمس الإثنين، صادمةً ومدوية بامتياز، ووضعت الساحة اللبنانية أمام مرحلةٍ جديدة لا يمكن اكتشاف حيثياتها بسهولة.
 
في الواقع، كان يوم 24 كانون الثاني 2022 تاريخ انعطافة جديدة في الحياة اللبنانية، أقله في المدى المنظور، وكان شاهداً على “انكفاء الحريري” من بوابة الانتخابات النيابية التي ستنقلب الموازين فيها رأساً على عقب، وقد تلوحُ في آفاقها بوادر التأجيل.
 
بالأمس، أراد الحريري تكرارا تجربة والده الرئيس الشهيد رفيق الحريري في “الانكفاء”، عندما أعلن الأخير في 20 تشرين الأول 2004 استقالة حكومته إثر قرار التمديد لرئيس الجمهورية آنذاك إميل لحود وصدور القرار  1559 المتعلق بالوجود السوري في لبنان. في تلك الحقبة، كان الحريري الأب على دراية تامّة بأنّ لبنان دخل مرحلة جديدة بكل المقاييس، كما أدرك أن اللعبة باتت تتغير والإستهداف السياسي الإلغائي أصبح يطاله بشكل كبير. عند هذه اللحظة المصيرية، قرر رفيق الحريري اختيار طريقٍ جديدة بطلب عدم طرح اسمه لرئاسة الحكومة، بعدما وجد أن لبنان دخل مرحلة صراعات إقليمية، وهذا ما يتكرر اليوم مع وجود خارطة سياسية جديدة تحكم وجود لبنان وسط لعبة توازنات تفرضُ نفسها بقوة.
 
الأهم أنه في الـعام 2004، لم يُعلن رفيق الحريري الخروج أو “تعليق العمل” في الحياة السياسية رغم الضغوط الكبرى التي واجهها، إذ ظل نائباً ورئيس كتلة نيابية وزعيماً سُنياً ووطنياً. ولولا عملية اغتياله عام 2005، لكان الحريري استمرّ بعمله السياسي حتى لو لم يعد إلى رئاسة الحكومة، إذ كان بإمكانه فرض أسماءٍ للرئاسة الثالثة، وكان بإستطاعته ادارة الحياة السياسية من قصر قريطم، وكان يستطيعُ أيضاً تكريس قوّته بشكل أكبر في الساحة السنية بسبب أصدقائه الدوليين والمحليين، الداعمين له ولمشروعه.
 
في المقابل، فإن ما حصل في العام 2022 وتحديداً يوم أمس مع سعد الحريري، لا يختلف كثيراً عن العام 2004، لأن الأخير لم يعلن خروجه التام من السياسة، رغم الخسائر الكبيرة التي مُني بها. في الواقع، فإنّ الحريري، ورغم خطابه “الانكفائي”، ترك باباً مفتوحاً له بشكل غير مباشر، وباستطاعته أن يكون موجوداً ضمن المعادلات التي يراها مناسبة لوجوده السياسي، خصوصاً أنه لا يواجه الإلغاء أقله من الداخل.
 
بشكل أساسي، فإن قرار الحريري تعليق عمله في الحياة السياسية قد يكونُ نابعاً من ظروف شخصية فعلاً، فهي كانت الأقوى وجعلته يبتعد ولو آنياً عن المعترك النيابي والانتخابي. واليوم، السؤال الذي يُطرح بشكل كبير: ماذا بعد تعليق الحريري عمله في الحياة السياسية؟ هل من عودة؟ هل من بديل أقوى في الانتخابات يمكن أن يغطي عليه؟
 
بشكل واضح، أقرّ رئيس الحزب “التقدمي الإشتراكي” وليد جنبلاط يوم أمس بأن “لبنان تيتّم وباتت المختارة حزينة وحيدة” بعد “انكفاء” الحريري عن العمل في الحياة السياسية. فجنبلاط خسر حليفه الوثيق في الانتخابات القادمة، وبات مجرداً من قوّة سنيّة في الجبل والإقليم وداخل الدولة.
 
التغريدة التي كتبها جنبلاط كانت كفيلة بتصوير المشهد الذي بات يسيطر على الساحة اللبنانية بعد الحريري خلال الفترة القادمة. تيار “المستقبل” أصبح خارج الاصطفاف، وفعلياً، فإن ما بعد خطاب سعد الحريري ليس كما قبله، فالتوازنات ستتغير، وهناك قوى سياسية ستصبحُ الأقوى على الساحة من الآن وحتى الانتخابات وأيضاً بعدها.
 
بعد سعد الحريري، ستصبح المخاوف المرتبطة بانعزال الطائفة السنية كبيرة في حال لم يقرر رئيس التيار “الأزرق” وقف تعليق عمله بالحياة السياسية خصوصاً أن هناك مطالبة كبيرة بذلك في أوساط الطائفة السنية ولدى الأطراف السياسية الأخرى. أما السؤال الأبرز فيرتبط بالتالي: من الذي سيطرح نفسه بديلاً عن سعد الحريري كزعيم سني في المرحلة المقبلة المرتبطة بالانتخابات؟ هل العائلة؟ هل ستقبل الطائفة السنية بهذا البديل بسرعة أم سترفضه قبل طرح نفسه؟ هل بقيَ تيار المستقبل فعلاً؟ هل سيُقدم الحريري على الاستقالة من رئاسة هذا التيار والخروج تماماً من الحياة السياسية أم أنه سيعود عن قراره بعد الانتخابات وبعد ترميم حياته الشخصية والسياسية واستعادة قوته الخارجية؟ هل ستختار عائلة الحريري شخصية جديدة لقيادة “المستقبل” في حال خروج سعد التام؟ من التالي؟ كلها أسئلة تطرح نفسها وستنكشف مع الأيام القليلة المقبلة، في حين أنّ الأهم هو ما سيحصل على صعيد العمل السياسي ككل في لبنان بعدما بات مكون أساسي خارج المعادلة، وهذا أمرٌ يؤثر على مختلف الأفرقاء من دون استثناء.
 
حتماً، وبعد المشهد القائم، فإنّ مسيرة تيار “المستقبل” باتت مرهونة بقرار واضح بشأن إمكانية الإستمرار “تنظيمياً”، “حزبياً” و “سياسياً”. وعلى هذا الأساس، باتت مختلف الأطراف بحاجة لأجوبة حول كيفية التعامل مع التيار، وعمّا إذا كانت هناك قدرة على العمل مع أطرافٍ أخرى فاعلة في الطائفة السنية خلال الاستحقاق الانتخابي المنتظر.
 
نعم، لا يمكن أبداً التسليمُ بالبدائل بسهولة، ولكن الأمرَ بات يحتاجُ إلى دراسة سياسية معمّقة خصوصاً أنه في حال جاء بديل عن الحريري، فإنه سيكون من الصعب جداً على الأخير العودة إلى الحياة السياسية بنفس النمط والمشروع والقوة، علماً أنه لم يعلن عزوفه التام عن العمل السياسي. وعليه، فإنه يبقى لزاماً على سعد الحريري تحديد الخيارات بشكل أوسع، والحديث عن مرحلة ما بعد الانتخابات النيابية التي قد يراها مناسبة لانطلاقة جديدة، وذلك بعد تبلور الاتجاهات الإقليمية والدولية في المنطقة.