منذ إطلالة الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصر الله مطلع العام، في مناسبة الذكرى السنوية لاغتيال قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني، واللبنانيون “موعودون” بإطلالة “موسّعة” له في الشأن اللبناني، الذي كان “عنوانه” حينها “الاشتباك” مع “التيار الوطني الحر”، على وقع “تلويح” الأخير بفكّ التفاهم معه.
لكنّ الإطلالة “الموعودة” تأخّرت كثيرًا، ومعها تغيّرت كلّ “عناوين” المرحلة، الذي بات “اعتزال” رئيس تيار “المستقبل” سعد الحريري يحتلّ صدارتها من دون منازع، وهو القرار الذي بدا “حزب الله” أحد أسبابه “المُعلَنة”، بعدما تحدّث الحريري عن غياب أيّ “فرصة إيجابية” للبنان، في ظلّ “النفوذ الإيراني”، الذي يدرك القاصي والداني أنّ الحزب هو من يمثّله.
وعلى أهمية حدث عزوف الحريري، فإنّ حدثًا ثانيًا طرأ على المشهد في الأيام القليلة الماضية لا يقلّ شأنًا، ويبدو “حزب الله” معنيًا أساسيًا به، ألا وهو ما عُرِفت بـ”المبادرة الكويتية”، لإعادة العلاقات بين لبنان ودول الخليج إلى سابق عهدها، ولو أنّ بعض حلفاء “الحزب” لم يتأخّروا في “التصويب” عليها، باعتبارها تحمل بين طيّاتها “شروطًا تعجيزيّة”، على حدّ وصفهم.
اعتزال الحريري
في “الحدثين”، يلتزم “حزب الله” بالصمت حتى الآن، ربما حتى تنضج الصورة وتتّضح المسارات، كما يقول بعض العارفين، الذين يؤكدون أنّ الحزب لم يكن “سعيدًا” ولا “مرتاحًا” بإعلان رئيس تيار “المستقبل” انسحابه من المشهد السياسي، ولا سيما بعدما تعامل معه على مدى الأشهر الماضي بوصفه “صاحب حيثية” لا يجوز “القفز” فوقها، وقد دخل في خلافات مع “التيار الوطني الحر” بسبب هذا الأمر.
يعتبر العارفون بأدبيّات “الحزب” أنّ ثمّة “ظروفًا خارجيّة” أملَت على الحريري اتخاذ قراره، بعدما افتقد “الرعاية الإقليمية” التي لطالما اعتبرها “حصانته”، وهم، إذ “يتفهّمون” كما يقولون موقف الرجل، ينفون جملةً وتفصيلًا أيّ دور لـ”حزب الله” في دفع الحريري نحو اتخاذ قرار “الاعتزال”، ويذكّرون كيف أنّهم “ساندوه” حتى اللحظة الأخيرة في “معركة” تأليف الحكومة، كما في الحكومات السابقة، بـ”شهادة” بعض أهل البيت “المستقبلي” أنفسهم.
صحيح أنّ “اجتهادات” كثيرة سادت بعد انسحاب الحريري عن أنه سيفتح المجال لتوسّع النفوذ الإيراني، وأنّه سيؤدي إلى “اختراق” الساحة السنية من جانب “حزب الله”، لكنّ المقرّبين من الحزب لا يشاطرون هذا الرأي، بل على العكس من ذلك، يبدون خشيتهم من أن تكون “سيناريوهات” ما بعد الاعتزال على النقيض، ولا سيما أنّ “البدلاء” الذين يطروحون أنفسهم لـ”وراثة” الحريري يتبنّون خيارات، إن لم تكن “متطرّفة”، فهي “أقلّ اعتدالاً” بالحدّ الأدنى.
ماذا عن الورقة الكويتية؟
عمومًا، لا يزال “حزب الله”، شأنه شأن سائر الفرقاء، يدرس “سيناريوهات” ما بعد انسحاب الحريري من المشهد، وتداعيات ذلك على السياسة العامة فضلاً عن الاستحقاقات المرتقبة، وأولها الانتخابات النيابية المفترضة بعد أربعة أشهر. وإذا كان هذا الأمر “محكومًا” بالانتظار حتى تتبلور الصورة، فإنّ “المبادرة الكويتية” لا تنتظر كثيرًا، ولا سيما أنّ لبنان معنيّ بتقديم جوابه الرسمي عليها قبل نهاية الأسبوع الجاري.
ومع أنّ “حزب الله” هو جزء لا يتجزّأ من هذه الورقة، وقد مسّت وفق ما يقول بعض المحسوبين عليه ببعض “خطوطه الحمراء” المرتبطة بسلاحه، فإنّه آثر “الصمت” منذ زيارة وزير الخارجية الكويتي، ولم يصدر عنه أيّ تعليق إيجابي أو سلبي، وهو ما يعزوه الدائرون في فلكه إلى “انتظاره” الموقف الرسميّ للدولة اللبنانية، وعدم رغبته بـ”إحراجها” بأيّ شكل من الأشكال، على أن يُبنى على الشيء مقتضاه بعد ذلك.
لكن، في موازاة “صمت” الحزب، كان لافتًا أنّ بعض المحسوبين عليه، ممّن يصنَّفون في بعض الأوساط بـ”الأبواق”، لم يتردّدوا في الهجوم على الورقة الكويتية، باعتبارها “تصعيدًا”، بل إنّ البعض ذهب لحدّ القول إنّ ثمّة من يحاول أن “ينتزع” من الحزب، ما عجز البعض عن “انتزاعه” في الحرب. يقول العارفون إنّ هذه الآراء تبقى شخصيّة، فـ”العبرة في الخواتيم”، و”حزب الله” سيدلي بدلوه عند ساعة “الجدّ”.
ليست المرّة الأولى التي “ينأى” فيها “حزب الله” بنفسه عن قضايا واستحقاقات قد يكون “المعنيّ” الأول بها، للكثير من الاعتبارات والمدارس. لكنّه “صمت”، يقول الدائرون في فلك الحزب، “مدروس ومقصود”، فالوقت ليس وقت “استعراضات ومبارزات”، بانتظار تبلور الأمور واكتمال الصورة، وهو ما قد لا يكون بعيدًا…