حال لبنان مع العتمة كحال «الجالس فوق بئر ويعاني العطش». فبلد الشمس والهواء يختزن إمكانية إنتاج أضعاف حاجته من الكهرباء من مصادر الطاقة المتجددة. إذا كانت «قلة حيلة» الظمآن تحول دون ارتوائه، فان «كثرة الحيل» المستعملة لإبقاء الكهرباء رهينة المصالح الضيقة، هي ما تبقيها قاصرة عن تلبية الاحتياجات.تؤمن 50% من الكهرباء
إذاً، المجموع العام للطاقة المتجددة الممكن انتاجها بحسب الدراسة باستخدام أراضي الدولة والممتلكات الحكومية يبلغ حوالى 7000 ميغاواط مقسمة إلى قسمين:الأول من المشاعات العمومية (دولة وبلديات) وينتج:5000 ميغاواط من الشمس.1000 ميغاواط من الهواء.الثاني من الممتلكات الحكومية وينتج:450 ميغاواط من نشر الألواح الشمسية على أسطح 2800 جامعة ومدرسة.50 ميغاواط من وضع الألواح الشمسية على أسطح المستشفيات.200 ميغاواط من تركيب الألواح الشمسية على أسطح المباني الحكومية.«الاكتفاء بالشق الأول أي إنتاج 6000 ميغاواط من المشاعات يؤمن للبنان 50 في المئة من حاجته للكهرباء المقدرة بحدود 3000 ميغاواط»، بحسب رئيس الجمعية اللبنانية للطاقة المتجددة روني كرم. «ذلك أن 6000 ميغاواط من الطاقة المتجددة تعادل 1500 ميغاواط من الطاقة المنتجة من معامل الغاز». أما في حال استخدام كل الأراضي التابعة للأفراد والقطاع الخاص الصالحة لانتاج الكهرباء من الشمس والهواء، فان «الكمية المنتجة تصل إلى 28 ألف ميغاواط، أو ما يعادل 7000 ميغاواط من الطاقة المنتجة في المعامل. وهي كمية أكثر من ضعف حاجات لبنان»، برأي كرم.
فوائد الانتقال نحو الطاقة المتجددة
إضافة إلى تأمين حاجة لبنان من الكهرباء بأسعار متدنية، فان فوائد الانتقال نحو الطاقة المتجددة من خلال استثمار المشاعات العمومية لا تعد ولا تحصى؛ ومنها:- «تشكل مورداً مالياً مهماً وطويل الاجل بالنسبة لمالية الدولة من خلال تأجير أراضيها ومشاعاتها»، من وجهة نظر كرم. والجدير بالذكر أن البحث عن الأراضي الصالحة لتركيب أنظمة الطاقة يتركز على الأراضي الجردية. حيث تأخذ الدراسة المفصلة بعين الاعتبار الارتفاع والمساحة والانحدار والاتجاه، وتستبعد الاراضي الزراعية والحرجية. وعلى هذه المقاييس والمواصفات الدقيقة «يتمنى حتى القطاع الخاص أن يؤجرها ويستفيد منها لتأمين حاجاته من الكهرباء ولاستثمارها بشكل فعال. من هنا اتى تضمين دراستنا الأراضي التابعة للقطاع الخاص، ولو ان استغلال المشاعات العمومية يبقى أسهل وأسرع».- تحقق الأمن الطاقوي. إذ إنه من المستحيل النهوض باقتصاد يعتمد انتاج الطاقة فيه بنسبة 97 في المئة على الاستيراد، وبكلفة تصل إلى 6 مليارات دولار سنوياً بدل مشتقات نفطية. وبحسب كرم فان الحلول الاخيرة المعتمدة سواء كان باستجرار الكهرباء الأردنية أو استيراد الغاز المصري تصب في نفس الاتجاه. حيث تُبقي التحكم بمصير الكهرباء بأيدي الدول الخارجية. ومن غير المستبعد قطعها عن لبنان عند أي خلاف أو استعمالها ورقة ضغط في أحسن الأحوال.- إستقطاب الاستثمارات بالطاقة المتجددة. ما يعني أن لبنان دخل في برنامج مع صندوق النقد الدولي وبدأ مشوار الاصلاحات والتعافي. إذ إنه «لا استثمار من دون تطبيق الشروط الاصلاحية والحصول على مظلة الصندوق»، برأي كرم. و»عند توفرها فان فرص الاستثمار كبيرة جداً من الشركات والمصارف. حتى أن الجهات الدولية ومنها البنك الأوروبي لم يعد يمول إلا مشاريع الطاقة المتجددة».- «يحقق وفراً بعيد الأمد. فقد يكون بناء معامل الانتاج التقليدية على الغاز أوفر من بناء أنظم الطاقة المتجددة لنفس كمية الانتاج. حيث لا تشكل كلفة البناء إلا 5 في المئة من الكلفة الاجمالية على 25 سنة. بينما 95 في المئة من الكلفة المتبقية تذهب للفيول والصيانة. قد تكون كلفة تركيب انظمة الطاقة الشمسية أعلى في البداية ولكنها أوفر بما لا يقاس على المدى البعيد. ذلك أن مصدر الانتاج أي الشمس والهواء هما مجانيان وكلفة الصيانة منخفضة. وبالحسابات فان الطاقة المتجددة تكلف سنوياً أقل بمرتين أو ثلاث من انتاج الطاقة على الغاز»، بحسب كرم.الوصول إلى 100في المئة ممكنإذا كان من الصعوبة بمكان في الوقت الحالي الوصول إلى 100 في المئة من انتاج الكهرباء على الطاقة المتجددة، فان الكثير من الدول تخطط للوصول بعد 20 عاماً إلى ما يعرف بـ (NET ZERO METION) مثل كاليفورنيا هاواي. والدول الأوروبية تعتزم الوصول إلى 50 في المئة من الانتاج على الطاقة النظيفة بعد 10 سنوات من اليوم. وعليه يعتبر روني كرم أن الإتجاه العالمي هو «تخفيض نسب انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون DE carbonization في توليد الطاقة. ولبنان لديه كل المكونات ليصل إلى نسبة وسطية مرتفعة جداً بالطاقة المتجددة. وإذا ما أضفنا القدرة على انتاج الطاقة الكهرومائية فان الاعتماد على الطاقة النظيفة ممكن بسهولة أن يشكل 70 في المئة من مجمل الطاقة الكهربائية المنتجة خلال السنوات القادمة».العائقالحلول الوردية التي تفوح بروائح الأمل ما زالت تصطدم بالعديد من العوائق التخطيطية والإدارية والبيروقراطية والنفعية… وصولاً حتى العوائق الثقافية. حيث لا يخفي بعض وزراء الطاقة انعدام ثقته بحلول الطاقة المتجددة. وبحسب كرم فان الخلافات السياسية تلعب أيضاً دوراً سلبياً في تطوير القطاع وهذا ما رأيناه في الصراع على معمل دير عمار بين «الطاقة» و»المالية»، ومن خلفهما الأحزاب الداعمة لهما»، ليبقى في النهاية العائق الاهم يتمثل في الفساد المستشري. فالاطراف المعنية بالملف من وزارة الطاقة، مروراً بشركة الكهرباء وعقود استيراد النفط، وصولاً إلى المقاولين الفرعيين يستفيدون من الفساد أو من عدم اصلاح القطاع لمراكمة المنافع الناتجة عن الفوضى. إذ إن كل ما يهم الفاسد هو «جيبه» وليس المصلحة العامة. فبناء المعامل وتأمين عقود الفيول وتشغليها يسمح بهامش واسع من العمولات لا أحد مستعد لغاية اللحظة للتضحية بها حتى لو تحول البلد إلى فحمة سوداء.