مع كل إشراقة شمس نفاجأ بخبر من هنا وبمعلومة من هناك تزيد من إحباط اللبنانيين الذين أصبحوا متمسكين بـ”حبال الهواء” لكثرة محاولات التيئيس المبرمجة التي يتقن البعض ممارستها، والتي يسعون من خلالها، عبر أبواق معروفة، إلى تنفيذ بعض “الأجندّات” التي لا تتماشى مع “أجندّات” المصلحة اللبنانية.
آخر هذه الأخبار ما يُرّوج عن “بدعة” تأجيل الإنتخابات النيابية سنة على الأقل، في الوقت الذي كان البعض الآخر يطالب بإجراء إنتخابات نيابية مبكرة كنوع من الإستفتاء عن “أي لبنان يريد اللبنانيون”. فهذا السؤال طُرح منذ أكثر من أربعين سنة من دون أن يلقى المواطنون جوابًا شافيًا عنه، خصوصًا في ظل الحديث المتنامي عن ضرورة الذهاب إلى مؤتمر تأسيسي، ما يعني طي صفحة إتفاق الطائف.
هذا الطرح الجديد – القديم يلقى معارضة شرسة من قبل شريحة واسعة من اللبنانيين، الذين لا يزالون متمسكّين بهذا الإتفاق كإطار توحيدي جامع لا بديل له في الوقت الراهن، مع الإقرار بأن ثمة ضرورة ماسّة لإدخال بعض التعديلات عليه، والتي يفرضها تطّور الحياة السياسية، إضافة إلى ضرورة تطبيق ما ورد فيه من بنود لم تّطبق حتى الآن، وأهمها إلغاء الطائفية السياسية وإجراء الإنتخابات النيابية بعيدًا عن القيد الطائفي وحصر السلاح الشرعي بأيدي القوى الأمنية دون سواها.
أمّا الحديث عن تأجيل الإنتخابات وعدم إجرائها في موعدها المحدّد في 15 أيار المقبل، فيأتي متزامنًا مع حديث آخر عن مزايدات شعبوية حول الموازنة العامة، التي ستسلك طريقها إلى مجلس النواب بعد الموافقة عليها بصيغتها النهائية في جلسة مجلس الوزراء يوم الخميس في قصر بعبدا، بعدما أشبعت درسًا على مدى أسبوعين متتاليين، مع إصرار رئيس الحكومة على فصل موضوع سلفة الكهرباء عن الموازنة إنطلاقًا من قناعة بأن لبنان لم يعد في مقدوره تحمّل المزيد من الإستنزاف، خصوصًا في غياب خطّة واضحة لمستقبل هذا القطاع.
ومن بين ما يتردّد عن ملاحظات البعض على مشروع الموازنة يمكن إختصارها بالنقاط التالية:
-المطالبة بعدم تحميل المواطن المزيد من الاعباء والرسوم في ظل الوضع الاقتصادي والمعيشي الصعب. -الاخذ في الاعتبار ان تتضمن الموازنة تقديمات اجتماعية وصحية واضحة لتخفيف الاعباء عن المواطنين لا سيما اصحاب الدخل المحدود. -ان يؤخذ في الاعتبار ايضًا توزيع عادل على الصعيد الضريبي بحيث لا يطاول الفئات الفقيرة او ذوي الدخل المحدود. -ان ترتكز الموازنة في باب الايرادات على ارقام مضمونة بحيث تكون نسبة العجز صحيحة ومعقولة لكي لا تتكرر التجارب السابقة.
فهذه الملاحظات وغيرها الكثير ستكون حاضرة في جلسة الخميس، وهي تدخل في إطار المزايدات الشعبوية، كما تصفها مصادر تابعت أدّق تفاصيل المناقشات التي شهدتها الجلسات الماراتونية في السراي الحكومي.
ولا تستبعد هذه المصادر أن يفيق اللبنانيون، وقبل جلسة الخميس، كما أفاقوا بالأمس على أخبار تأجيل الإنتخابات النيابية، على أخبار تشكيكية في صحّة الأرقام الواردة في الموازنة وفي جدواها الإقتصادية، وذلك من ضمن خطّة للإطاحة بها إن لم تُضمّ إليها سلفة الكهرباء، وهو موضوع أثار جدلًا واسعًا في آخر جلستين لمجلس الوزراء، مع تماهي أكثرية الوزراء مع طروحات رئيس الحكومة.