موافقة مجلس النواب الأردني على مشروع الموازنة العامة للدولة للعام 2022 أمس الاثنين جعلت الشباب المتعطلين عن العمل والمعتصمين في محافظة مأدبا ينتظرون تنفيذ الحكومة برنامج التشغيل الوطني الذي رصدت له 80 مليون دينار (112 مليون دولار).
فمنذ 60 يوما يعتصم الشاب الثلاثيني عبد الله الرواحنة و9 من أصدقائه على دوار السلام في مدينة مأدبا للمطالبة بتوفير فرصة عمل لهم.يقول الرواحنة للجزيرة نت “إنني متعطل عن العمل منذ 5 أعوام، بحثت عن فرصة عمل بأي مصنع أو مشغل لكني لم أوفق، فقررت الاعتصام على أمل توفير وظيفة”.ويشاركه الاعتصام المفتوح العشريني إبراهيم التميمي الذي تخرج من الجامعة بتخصص هندسة الميكانيك، وبقي متعطلا عن العمل منذ أعوام، فقرر البحث عن عمل في أي مصنع لكنه “اصطدم بشهادته” بحسب حديثه للجزيرة نت، فالمصانع بحاجة لعمال وليس مهندسين، مما “اضطرني لإخفاء شهادتي للحصول على وظيفة عامل”.
وشهد الأردن خلال العام الماضي 2021 ارتفاعا بنسبة البطالة تجاوز 24%، وبلغت بين الشباب 50%، وترافق ذلك مع توسع شرائح الفقر وغلاء مستمر بأسعار المواد الغذائية الأساسية وارتفاع متواصل بعجز الموازنة.برنامج تشغيل وطنيبدوره، قال وزير المالية الأردني محمد العسعس في رده على مداخلات النواب إن الموازنة رصدت 80 مليون دينار (112 مليون دولار) لبرنامج التشغيل الوطني، ورصدت زيادة غير مسبوقة بنحو 50 مليون دينار (70 مليون دولار) لتحفيز وتنشيط القطاع السياحي وما يوفره من فرص عمل، إضافة إلى رصد 20 مليون دينار (28 مليون دولار) لبرنامج استدامة للحفاظ على الوظائف.لكنه بالمقابل لم يأت على ذكر أي زيادة مالية لموظفي القطاع الحكومي من مدنيين وعسكريين أو المتقاعدين، مما يحسن قدراتهم الشرائية بعد تآكل مداخيلهم نتيجة الصعوبات الاقتصادية التي تزامنت مع جائحة كورونا وانخفاض القوة الشرائية في ظل الارتفاعات المعيشية.
وسجلت النفقات الإجمالية المقدرة في الموازنة العامة 10.6 مليارات دينار (14.9 مليار دولار)، ونحو 1.5 مليار دينار (2.1 مليار دولار) نفقات الوحدات الحكومية، فيما تقدر إيرادات الموازنة العامة بـ8.9 مليارات دينار (12.5 مليار دولار)، 68% منها ضريبية، و10% منح خارجية، و22% إيرادات غير ضريبية.وسجل المرصد العمالي (مؤسسة مجتمع مدني) تنفيذ نحو 18 اعتصاما لمتعطلين عن العمل خلال عام 2021، منها اعتصام في منطقة الجفر بمحافظة معان (جنوبي الأردن) واستمر لمدة 60 يوما، واعتصام لمدة 30 يوما نظمه متعطلون عن العمل بمدينة ذيبان التابعة لمحافظة مأدبا، إضافة إلى الاعتصام القائم حاليا لمتعطلين بمدينة مأدبا منذ 60 يوما بانتظار توفير فرص عمل لهم.توظيف وتأمين صحيوافق مجلس النواب على توصية للجنته المالية بزيادة رواتب العاملين والمتقاعدين الذين تقل رواتبهم عن 300 دينار (423 دولارا)، ورواتب المتقاعدين العسكريين.وأوضح رئيس اللجنة المالية في مجلس النواب محمد السعودي للجزيرة نت أن موافقة المجلس على توصيات اللجنة تلزم الحكومة بتنفيذها، مؤكدا أن أبرز التوصيات هي:تخفيض النفقات العامة بمبلغ 74 مليون دينار (104 ملايين دولار)، بواقع 15 مليون دينار (21 مليون دولار) من النفقات المدرجة في الموازنة العامة، و59 مليون دينار (83 مليون دولار) من نفقات موازنات الوحدات الحكومية.زيادة التعيينات في وزارة التربية والتعليم إلى نحو 8 آلاف معلم.إعادة النظر في الضريبة الثابتة المفروضة على المشتقات النفطية، فتخفيض تلك الضريبة سيجعل الزيادة على أسعار المحروقات منطقية.إنجاز منظومة متكاملة للتأمين الصحي الشامل العادل والمستدام.تخفيض العبء الضريبيمن جهته، يرى المحلل الاقتصادي أحمد عوض أهمية رفع رواتب العاملين والمتقاعدين، وذلك لتمكين المواطن من مواجهة الارتفاعات المتتالية لأسعار السلع الغذائية الأساسية، محذرا في حديثه للجزيرة نت من زيادة العبء الضريبي المتوقع على الأردنيين، خاصة مع ارتفاع أسعار النفط عالميا.وتابع عوض أن الموازنة رصدت 110 ملايين دينار (154 مليون دولار) لمشاريع صحية ستنعكس بشكل إيجابي على تحسين جودة الخدمات الصحية المقدمة للأردنيين، لكنها غير كافية، خاصة مع وجود 35% من الأردنيين غير مؤمّنين صحيا.مخاطر اجتماعيةبدوره، يحذر أستاذ علم الاجتماع حسين الخزاعي من جملة مخاطر اجتماعية لم تراعها أرقام ومشاريع الموازنة العامة، أبرزها مشكلتا الفقر والبطالة، خاصة مع وجود نصف مليون متعطل عن العمل، 48% منهم ذكور و83% إناث ضمن الفئة العمرية 15-24 الأكثر حاجة للعمل والاندماج بالمجتمع.إضافة إلى خطورة تآكل الطبقة الوسطى في المجتمع الأردني من 29% إلى 12% في 2021، مما يشير -والحديث للخزاعي- إلى زيادة الطبقة الفقيرة، حتى باتت تمثل 80% من الأردنيين، ويعني ذلك زيادة انتشار الجريمة، خاصة الجرائم الاقتصادية الواقعة على المال، والتي أضحت تشكل 66% من الجرائم، مثل عدم القدرة على سداد الديون، والاعتداء على المال العام، والرشوة والتزوير وغيرها.وأضاف الخزاعي أنه إذا بقيت الأوضاع الاقتصادية على حالها فستزيد نسبة الأمراض المجتمعية -خاصة الانتحار والأمراض النفسية- وظاهرة التشرد ونسبة العنوسة بين الشباب والإناث، فلدينا ربع مليون تجاوزوا عمر الـ30 دون زواج لعدم قدرتهم على ذلك، بالإضافة إلى زيادة الطلب على المعونات الحكومية، فسنويا يتقدم 25 ألف فقير جديد لصندوق المعونة الوطنية طلبا للمساعدات الشهرية والطارئة.وتتوقع الموازنة أن تبلغ نسبة النمو مع نهاية العام الحالي 2.7%، فيما سيبلغ العجز في الموازنة العامة 2.4 مليار دينار، ويتوقع خبراء أن يتجاوز إجمالي الدين العام 38 مليار دينار (53.6 مليار دولار) أو ما نسبته 114% من الناتج المحلي الإجمالي.