من دون أيّ منازع، أيقنت مختلف الأطراف السياسيّة الارتداد السلبيّ لخروج الرئيس سعد الحريري وتياره من الحياة السياسية، وهو الأمرُ الذي يظهرُ جلياً في المعركة الانتخابية التي تزدادُ وتيرتها يوماً بعد يوم.
حتماً، كان قرار الحريري مؤثراً على الساحة السنية بشكل كبير، كما أنه أرسى تساؤلاً أساسياً حول توجهات الطائفة السنيّة في الانتخابات، لأن أي قرارٍ من قبلها مهما كان نوعه، سيؤثر على المعادلة.في الواقع، بات واضحاً أن انكفاء الحريري أظهرَ تأثيره السياسيّ نظراً لعوامل عديدة: أولها عدم قدرة أي جهةٍ سياسية على السيطرة على السّاحة السنية حالياً، وهو الأمر الذي ظهر بشكل كبير في التحالفات التي تُرسم مع أشخاصٍ يمثلون أنفسهم في الطائفة وليس مع جهاتٍ تتبنّى قيادة السّنة في لبنان مثل تيار “المستقبل”.
أما العامل الثاني والذي يؤكد التأثير الكبير هو أن جميع رؤساء الحكومات اختاروا قرار العزوف عن الترشح وعدم خوض المعركة الانتخابية أسوة بقرار الحريري.
أمام هذا الأمر برمّته، يقول مرجعٌ سياسي بارز لـ”لبنان24″ إنّ “تأثير الحريري وتياره في السياسة سيتضحُ أكثر يوم الانتخابات في الخامس عشر من أيار المقبل”، ويضيف: “عندها سيتبين ما إذا كان الشارع السني يرى نفسه منكفئاً عن المشاركة وسط عدم وجود أي جهة واضحة تمثله. في الواقع، إذا انخفضت نسبة المشاركة في صفوف الطائفة السّنية إلى النصف، حينها سيظهر أن قرار الحريري له التأثير الكبير على المعادلة، وهو الأمر الذي قد يفتح الباب أمام طريق العودة بعد الانتخابات”.
في ظلّ كل هذا، فإن ما لا يمكن نكرانه تماماً هو أنّ الغياب المفاجئ لرجل الأعمال بهاء الحريري سلط الأضواء على تساؤلات كثيرة، لاسيما أنه أعلن عن قراره خوض الانتخابات النيابية بنفسه في وقت سابق، لكنه الآن خارج صفوف المرشحين. أما ما يجب التركيز عليه أيضاً هو أن الكتلة واللوائح التي نادى بها باتت أيضاً خارج السباق، إذ لم يظهر أبداً أي بصيص نورٍ بشأنها، وما قد يتبين حالياً هو أن بهاء الحريري قرر تحضير أرضية جديدة لانتخابات العام 2026.
عملياً، فإن كل ذلك يعزّز فرضية أساسية وواحدة وهو أن كل ما يحصل هو إشارة إلى أن دور سعد الحريري السياسي لم ينتهِ أبداً. وعن هذا الشق بالتحديد، يقول المرجع السياسي: “نعم، دور الحريري لم ينتهِ، وما يحصل هو أن العودة قد تكون بعد الانتخابات، والأمر الاهم هو أنه لا قرار إقليمياً باستبعاد ممثل السنة في لبنان عن الواجهة، بمعنى أن الحريري لم يتم رفضه وما زال لديه القدرة على تكوين تياره من جديد واستنهاضه بعد الاستحقاق الانتخابي”.
على أساس كل ذلك، تتحرك القوى السياسية “الحليفة” للحريري، إذ تتواصل مع الشخصيات الممثلة له باستمرار، فهؤلاء هم واجهته في لبنان ومعهم يتم التنسيق بشكل مباشر وغير مباشر. وحتماً، فإن لهؤلاء كلمة الفصل في مختلف التحالفات المرتبطة بشخصياتٍ عديدة ستخوض معركة الانتخابات، والأمر هذا يعتبرُ مطلب زعامات أساسيّة في لبنان مثل رئيس الحزب “التقدمي الإشتراكي” وليد جنبلاط ورئيس مجلس النواب نبيه بري.
ففي مختلف الدوائر، تطرح شخصيات سُنيّة مستقلة يمكن أن تكون “وديعة” للحريري حتى موعدٍ لاحق. وعلى سبيل المثال، قد يكون المرشح يوسف النقيب في صيدا “وديعة” لتيار “المستقبل” في حال نجاحه بالانتخابات، وبإمكان الحريري في حال عودته السياسية ضم النقيب إلى كتلة “المستقبل”. الامر هذا سيحصلُ تماماً مع النائب محمد القرعاوي في البقاع الغربي وأيضاً مع النائب سامي فتفت في الشمال، ومع المرشح المحامي سعد الدين وسيم الخطيب عن المقعد السني في دائرة الشوف – عاليه مع الحزب “التقدمي الإشتراكي”.
ما سيحصلُ حكماً هو أن أي نائب تم اختياره بالتنسيق مع “المستقبل” سيعود إلى كنف الحريري فور استئناف الأخير نشاطه السياسي، وهو أمرٌ غير مستبعد تماماً، في حين أنّ الربح هنا كبيرٌ جداً لأن رئيس “المستقبل” سيعودُ بكتلة نيابية حصل عليها من دون صرف أموالٍ ومن دون جهد انتخابي أو سياسي.