يواجه الاقتصاد الروسي، أعتى صدمة في تاريخ البلاد، مع مغادرة كبريات شركات الاستثمار، وغلق مكاتبها، استجابة للرد الدولي لحرب موسكو على أوكرانيا.وقالت شركة “سيتي غروب”، التي لديها آلاف الموظفين وأصول بمليارات الدولارات في روسيا، إنها ستقلص الكثير من أعمالها في البلاد.
كما تتجه مجموعة “غولدمان سايكس غروب” و”جيه بي مورغان تشيس وشركاه” وكذا “دويتشه بنك إيه جي” أيضًا نحو الخروج من روسيا، والانتقال إلى مراكز أخرى مثل دبي، وفق ما نقله تقرير لوكالة أنباء بلومبيرغ.التقرير أوضح أن قرارات هذه الشركات يعود لتعنت موسكو ومُضيّها قدما في السعي لاحتلال جارتها الشرقية، أوكرانيا.والنسبة لقطاع التمويل، فإن مليارات الدولارات معرضة للخطر، يقول التقرير، فعشرات المقرضين بما في ذلك Raiffeisen Bank International AG و Citigroup و Deutsche Bank لديهم حوالي 100 مليار دولار من في روسيا، وفقًا لبيانات بلومبريرغ.ولعقود، كانت شركات التمويل العالمية تهتم بشغف بالشركات الروسية والمليارديرات (الأوليغارش) والشراكة مع الحكومة الروسية، “إلى حين بدأت الدبابات تتدفق إلى أوكرانيا، فتغير كل شيء” تقول بلومبيرغ.
التقرير عبر عن هذه الوضعية بالقول “ربما يكون هذا هو أقسى وأسرع إقصاء لاقتصاد كبير، في التاريخ”. وشهدت الأسابيع القليلة الماضية اندفاعًا محمومًا لفهم وتنفيذ العقوبات التي يتم تحديثها باستمرار من قبل الدول بما في ذلك الولايات المتحدة والمملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي.نتيجة لذلك، توقفت المكاتب التي كانت تعج بالحركة في السابق، ليس فقط في موسكو، بل في عديد المدن الروسية، حيث تُرك التجار عالقين مع الأسهم والسندات “بينما يقرع المصرفيون الخاصون الذين يعملون لأصحاب المليارات الروس الآن أصابعهم” وفق تعبير التقرير.قطع الاتصالات مع روسيافي الساعات التي أعقبت دخول القوات الروسية إلى أوكرانيا (24شباط 2022) شاهد ممولو موسكو انهيارا غير مسبوق لشركاتهم التي بدت في صحة متذبذبة حتى الشهر الماضي، حيث اتضحت نوايا الرئيس فلاديمير بوتين في تنفيذ قرار احتلاله لأوكرانيا.
وقال أحد مديري الاستثمار المحليين، الذي طلب عدم ذكر اسمه، إن زملاءه أيقظوه وهرع إلى المكتب في ذلك الصباح. كانت شركته تتعامل مع 6 مليارات دولار لصناديق التقاعد، لكنه قال إنه يعتقد الآن أن أصول عملائه لا تساوي سوى جزء بسيط من ذلك وربما لا تساوي شيئًا على الإطلاق.مدير آخر، مسؤول عن مجموعة من المتداولين المقيمين في موسكو، الذين تحدثوا أيضًا لبلومبيرغ، شريطة عدم الكشف عن هويتهم، قال إن مستويات النشاط على مكتبه انخفضت بمقدار ثلاثة أرباع حيث توقف السماسرة الأجانب عن التعامل مع شركته.إلى ذلك، يجد الموظفون في VTB Bank PJSC، الذي عاقبته الولايات المتحدة وتم تجميد وحدته البريطانية، أنه من المستحيل تقريبًا إقناع العديد من الشركات الغربية بالرد على مكالماتهم ورسائل البريد الإلكتروني، وفقًا لما ذكره شخص مطلع على الوضع. في غضون ذلك، يكافح بعض المصرفيين الاستثماريين لإغلاق الصفقات مع الأطراف المقابلة، لكن دون جدوى.فبعض الشركات ظلت على اتصال مع VTB، ثاني أكبر بنك في روسيا، وتمكنت إلى حد كبير من فك تداولاتها المعلقة، كما قال المصدر الذي طلب عدم الكشف عن هويته، لكن البعض الآخر لم يتمكن من ذلك.وقال هذا الشخص إن كثيرين آخرين قطعوا العلاقات بمجرد إعلان العقوبات، وقد يستغرق الأمر وقتًا أطول لفك الأعمال العالقة. وحصل التجار الذين يتطلعون إلى الخروج من مراكز الأسهم على بصيص من الأمل، الأربعاء، عندما قال بنك روسيا إنه يستعد لإعادة فتح سوق الأسهم لبعض الأسهم المحلية يوم الخميس 24 اذار، مُنهياً أطول إغلاق في تاريخ البلاد. واجب أخلاقيقال بيل براودر، الذي كان أحد أكبر المستثمرين الأجانب في روسيا وأصبح الآن منتقدًا بارزًا للرئيس فلاديمير بوتين، إن البنوك الاستثمارية لعبت دورًا أساسيًا في انفتاح روسيا واستثمار أموالها في العالم.وقال براودر: “لقد جعلوا كل الأوليغارشية تبدو شرعية للمستثمرين الغربيين”.وأحد الأمثلة على شبكة العلاقات المعقدة بين روسيا والبنوك العالمية هو LetterOne Holdings، وهي شركة استثمار أسسها الروس، ولا سيما المليارديرات الخاضعين الان للعقوبات مثل ميخائيل فريدمان وبيتر أفين. وفي حديثه إلى بلومبريرغ، قال إيغوروف إن خروج البنوك كان صعبًا، لكن ذلك هو الشيء الصحيح الذي كان ينبغي فعله. ترك روسيا أمرٌ صعب؟بينما ينفصل المستشارون والمحامون والمدققون الماليون عن روسيا، رغم أنها عملية صعبة، ستحتاج شركات المحاسبة الأربع الكبرى – Deloitte و KPMG و PwC و Ernst & Young – إلى قطع العلاقات مع الشركات الأعضاء الروسية والبيلاروسية، المملوكة لشركاء محليين، وهذه العملية تتطلب جهدا ووقتا كبيرين.ويمكن لتلك الكيانات الروسية الاستمرار في العمل مع عملائها ولكن لن يكون بإمكانها الوصول إلى الشبكة العالمية للشركات.ولن تكون عملية الانفصال سريعة، كما يقول آشيش ناندا، كبير المحاضرين في كلية إدارة الأعمال بجامعة هارفارد، بل من المرجح أن تكون معقدة. “لا يمكن للمستشارين الإداريين وشركات المحاماة التخلص بسهولة من عملياتهم الروسية” يقول الرجل.ويجب على شركات مثل McKinsey & Co و Bain & Co Linklaters و Freshfields Bruckhaus Deringer و DLA Piper التوفيق بين الدعم لشركائها وموظفيها الروس، والتزاماتهم الحالية.وقال نيك لوفغروف، أستاذ الإدارة في كلية ماكدونو للأعمال في جامعة جورج تاون الأميركية “إنها عملية حسابية معقدة ومؤلمة”.وفي الأيام التي أعقبت الغزو، قالت شركة ماكينزي إن العمل في الكيانات الحكومية الروسية فقط هو الذي سيتوقف. وبعد أربعة أيام، ذهبت إلى أبعد من ذلك قائلة إنها “ستتوقف على الفور عن العمل الحالي مع الكيانات المملوكة للدولة” ولن تتولى أي عمل جديد لعميل هناك.وتبنى منافسون مثل Bain و Boston Consulting Group مواقف مماثلة.وقال بنك “جي بي مورغان” إنه يعمل بنشاط على تفكيك أعماله التجارية الروسية، وإنه قام بفصل هيرمان جريف، رئيس سبيربنك والوزير الروسي السابق، من مجلسه الدولي.من جانبها، قالت ناتالي يارسكو، التي كانت وزيرة مالية أوكرانيا بعد ضم شبه جزيرة القرم قبل ثماني سنوات، “يجب على البنوك قطع التعامل مع روسيا لأن هذا هو الشيء الصحيح الذي يجب القيام به تجاريًا، نعم، إنها نقطة أخلاقية أيضًا”.رسم خط موحد ضد نظام بوتينيشعر المصرفي السابق في بنك “غولدمان سايكس” جورجي إيغوروف بالقلق بشأن روابط البنوك مع روسيا. ودعا إيغوروف البنوك إلى الانسحاب في منشور على موقع لينكد إن، نُشر قبل إعلان وول ستريت أنها ستغادر البلاد في 10 اذار.