بقلم: المفتي الشيخ محمد إمام – خاص “لبنان24″من عظمة الشريعة الإسلامية أنها انتظمت في أحكامها كل شؤون الأنسان الفردية والجماعية، من هنا كان الفقه الاسلامي شاملاً ومنظماً لجميع مناحي الحياة البشرية ابتداء من مفردات الحياة اليومية وانتهاء بأحكام العلاقات الدولية والأممية.
ومن المعلوم أن هناك أعمالاً للإنسان تندرج تحت مسمى”العبادات” كما أن هناك أعمالاً تندرج تحت مسمى “المعاملات” وقد يكون العمل عبادة فقط كالصلاة وقد يكون معاملة فقط كالبيع والشراء، وقد يحمل الصفتين: العبادة والمعاملة، كالزكاة التي فيها حق الله تعالى وحق الفقراء والمساكين.
وقد يتبادر إلى الذهن أن الصوم هو من قبيل العبادات المحضة التي يؤديها الإنسان طاعة لله وامتثالاً لأمره سبحانه ، ولكن الشرع قصد من الصوم أن يكون عبادة في الامتناع عن الأكل والشرب، وأن يكون معاملة في الوقت نفسه في الامتناع عن أذى الناس وظلمهم والاعتداء على دمائهم وأموالهم وأعراضهم بل أراد الشرع من الصائم أن يتجلى فيه سمو الخلق في التعامل مع الناس حتى لو كان هو المعتدى عليه، فقد قال صلى الله عليه وسلم:فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب ، فإن سابه أحد أو شاتمه فليقل إني صائم ومعنى” يرفث”أي يقول الرفث وهو الفاحش من القول والكلام،”ويصخب” أي يصرخ ويعلو صوته على الناس ، ومعنى “سابه “أي استفزه بالسباب ، “وشاتمه” أي استفزه بالشتم ليرد عليه بمثله.
وكذلك في قوله صلى الله عليه وسلم: “من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه” فهذا الحديث يصوب للصائم مقصد الصوم وأنه عبادة في جانب ترك الطعام والشراب، وأنه معاملة في جانب حق الناس في ترك ما يؤذيهم ويظلمهم كالافتراء عليهم بالقول بالزور والكذب، وترك العمل بالزور أيضاً كالاحتيال والخداع والغش .
وها نحن في شهر الصوم المبارك نحرص على أدائه صحيحاً دون أن نقع في المفطرات ،فليكن حرصنا أشد أن لانقع في الجانب التعاملي مع الناس بما لا يرضي الله تعالى، كالغش والخداع والاحتكار والاستغلال وكل انواع الأذى والاعتداء حتى في القول والكلمة.