في زمن الكورونا والازمة الاقتصادية تحوّل الكثير من المنازل إلى مسرح لممارسة العنف الاسري خاصة بحق النساء، بحيث تشير الاحصاءات إلى ارتفاع كبير في نسبة طلب المساعدة من الجهات الامنية او من الجمعيات المختصة التي تعنى بحماية المعنفات.فما هو السبب الذي جعل من المنازل مصدراً للعنف والتهديد خاصة بحق النساء فهل كورونا وحدها هي السبب؟
الذكورية المطلقة
تشير الناشطة النسوية حياة مرشاد في لـ”لبنان 24″ إلى ان كل الارقام الصادرة في الاونة الاخيرة عن الجهات الامنية المختصة او المنظمات المعنية ،اظهرت ارتفاعاً كبيراً في نسب البلاغات المرتبطة بالعنف الاسري.
واضافت: “هذه الجرائم ليست بسبب الازمة الاقتصادية أو الحجر الصحي الناتج عن جائحة كورونا، وان كانت هذه الازمات قد زادتها تفاقماً في الاونة الاخيرة، بل هي سلسلة جرائم يومية تمارس بحق النساء سببها المنظومة الذكورية التي تكرس سلطة مطلقة للرجل على المرأة، وتبرر جرائم قتل النساء وتعنيفهنّ، وتُسكِت الناجيات والضحايا، وتلومهنّ، فضلا عن عدم التشدد في تطبيق قانون حماية النساء وسائر أفراد الأسرة الذي أقر عام 2014، وأدخلت عليه تعديلات في عام 2020”.
مرشاد قالت ايضاً ان: “التعاطي غير الجدي مع ملفات عنفٍ وقتلٍ سابقة، من قبل القوى الأمنية والقضاء كان سبباً في استسهال الجرائم بحق النساء، في حين ان المطلوب هو الاستجابة السريعة من قبل القضاء والقوى الأمنية في قضايا العنف، والإسراع بمحاكمات قتل النساء، وتشديد العقوبات، وتوقف المجتمع عن التبرير للقاتل، وتوقف وسائل الإعلام عن فتح الهواء والمنابر للمجرمين لتبرير أفعالهم، في حين أن الضحايا صامتات، كما ينبغي الضغط باتجاه إقرار آليات حماية جدية قبل خسارة مزيد من النساء حياتهن”.بدوره اشار المحامي ميشال فلاح ، إلى موقع “لبنان 24” إلى ان لبنان سجل في الاونة الاخيرة ارتفاعا كبيرا في عدد حالات العنف المنزلي، في ظل تدابير الحجر الصحي ومنع التجوال، التي فرضتها السلطات لمحاصرة فيروس كورونا. بحيث لم تعد المنازل آمنة خاصة للنساء، في ظل الشكوى من عنف متنوع يتعرضن له يومياً.
واضاف: “ليست الازمة الاقتصادية التي يعيشها لبنان منذ ثلاث سنوات هي السبب الرئيسي لإزدياد حالات العنف الاسري. قد تكون هذه الازمة اسهمت في تظهير هذه الحالات على نحو كبير، ولكن المشكلة هي أن الأسرة، والتي هي المؤسَّسة الاجتماعية الاولى، اصبحت من المؤسَّسات التي يُمارَس فيها العنف الاسري، ولا يمكن الحديث عنه باعتباره شأناً خاصاً بأفراد العائلة ، فلا يتم الإبلاغ عن هذا العنف “.
صحيح ان الشكاوى من عنف متنوع تأتي في معظمها من نساء ، ولكن هذا لا يعني ان الرجال لا يمكن ان يتعرضوا هم ايضاً للتعنيف. فالتعنيف كما يقول المحامي فلاح:” يمكن ان يقع على اي فرد من افراد الاسرة وليس النساء فقط، وهو ليس تعنيفاً جسديا فقط ، فهو يمكن ان يكون ايضأً لفظيا ومعنوياَ وادبياً او حتى مالياً، بمعنى الحرمان من المصروف ، وعدم تحمل المسؤولية المالية عن افراد الاسرة.”الجهل للقانونوبالرغم من أن لبنان قد أقر قانون العنف الأسري في العام 2014 وشكّل قفزة نوعية على صعيد تأمين حماية قانونية للمرأة ولسائر أفراد الأسرة، فانه ما زال هناك لبنانيون لم يسمعوا بعد بوجود مثل هذا القانون حتى الان ، وذلك يعود الى غياب التوعية القانونية والثقافة القانونية، بحسب ما اوضح فلاح في حديثه.اضاف:”من المستغرب جداً ان يكون ما زال هناك اناس في لبنان يجهلون كل شيئ عن القانون 422 الخاص بحماية الاحداث، الصادر عام 2002، والذي ينص على وجوب التبليغ عن اي حالة عنف يتعرض لها الاطفال القاصرون ، والذي يسمح بإبعادهم عن المكان الذي يشكل خطراً عليهم إلى مكان اكثر امنا جسديا ونفسياً واجتماعياً بالنسبة لهم.معالجة ظاهرة العنف الاسري لا تكون قانونية وردعية فقط كما اوضح فلاح، والذي يرى ان بداية المعالجة تبدأ بالتوعية، والتي يجب ان تكون على على عدة مستويات، فالأهل لهم دور مهم جداً في هذا المجال.فلاح طالب ايضاً الاعلام بعدم ابراز ظاهرة التفكك الاسري ، وكأنها ظاهرة عادية اذ ان ذلك من شأنه أن يؤدي إلى تشويه مفهوم العائلة كمفهوم مقدس. وقال ايضاً :”نحن في لبنان لا نشكو من غياب النصوص القانونية التي تعاقب المرتكبين لجرم العنف الاسري، وما نشكو منه هو غياب تطبيق هذه النصوص. صحيح ان بعض هذه النصوص هو بحاجة إلى تعديل ، ولكن هذا لا يعني ان مفهوم الحماية غير موجود”.فلاح اشار في حديثه إلى وجود مؤسسات اجتماعية ورعوية في لبنان تقوم بدورها على اكمل وجه في حماية المعنفين ، وذلك من خلال فريق قانوني موجود لديها يتولى المتابعة.وعن عدم توقيف المرتكبين احياناً واطلاق سراحهم بعض التحقيق معهم قال فلاح: “قد يكون ذلك مرده الى ضعف الشكوى المقدمة من الناحية القانونية او ان الجرم المدلى به لا يستحق التوقيف، ولكن في نفس الوقت يجب ان لا نسقط من حسابنا وجود تدخلات سياسية تعيق سير العدالة في لبنان.و دعا كل من يتعرض لسوء معاملة لدى الاجهزة الامنية او القضائية، إلى عدم السكوت عن حقه، والذهاب إلى اظهار ذلك عبر وسائل الاعلام او بالتقدم بشكوى سواء إلى الاجهزة الرقابية الموجودة لدى القضاء او لدى الضابطة العدلية.