بسرعةٍ كبيرة، ارتفع سعر الدولار مؤخراً في السوق الموازية، كاسراً أرقاماً لم نشهدها منذ شهر كانون الثاني الماضي.
في الواقع، فإن ما حصل في السوق ليس طبيعياً خلال ساعات قليلة، ويقول المراقبون إن هناك عوامل طارئة أجّجت سعر العملة الخضراء من دون أي ضوابط.
بشكل أو بآخر، فإنّ الكلام النظريّ يفرض نفسه حُكماً، لكن الظروف الميدانية في السوق تترك بصمة أكبر. فبعد الجدل الذي حصل في مجلس النواب على أثر بعض المزايدات الشعبوية في موضوع الحفاظ على حقوق المودعين، لوحظ أن الكثير من المودعين قد لجأوا إلى المصارف طالبين شيكات مصرفية من أجل بيعها في السوق المُوازية.
وفي هذا الإطار، قالت مصادر مصرفيّة لـ”لبنان24″: “على سبيل المثال، فإن من يملك في حسابه 200 ألف دولار يخشى خسارة قيمتها بعد الهيركات، فإنه يبادر إلى شراء شيك مصرفي وبيعه في السوق”.
وأضافت المصادر: “فعلياً، فإن لجوء الكثير من المودعين إلى هذه الطريقة لحماية قيمة أموالهم، ساهم في زيادة الطلب على “الدولار الفريش” في السوق، وبالتالي ارتفاع سعره بشكل كبير حتى تجاوز حدود الـ28 ألف ليرة”.
من جهته، قال أحد الصرافين لـ”لبنان24″ إنّ “الطلب على الدولار ازدادَ فعلاً في السوق إذ أن الكثير من الأشخاص طلبوا شراء العملة الخضراء بأعداد هائلة، لكنّ المشكلة تكمنُ في أن القدرة على تلبية هذا الطلب ليست كبيرة نظراً لعدم وجودِ عرضٍ كبير”.
ولفت إلى أنّ “السيولة من الدولار تحتاجُ إلى تعزيز جديد، وبحال استمرّ الوضع على ما هو عليه، فإن سعر العملة الخضراء قد يواصل طريقه نحو الارتفاع من دون ضوابط”.
رأي اقتصادي.. المضاربة أججت السعر
بدوره، قال الخبير كبير الاقتصاديين في مجموعة بنك بيبلوس نسيب غبريل لـ”لبنان24″ إنّ “المضاربات الكبيرة في السوق هي التي ساهمت في تأجيج سعر صرف الدولار”، مشيراً إلى أنّ “الإشاعات التي جرى بثها عن توقف منصة صيرفة كلها لعبت دوراً في فتح شهية المضاربين على التلاعب بسعر الصرف”.
ورأى غبريل أن الكلام عن أنّ الشيكات المصرفية هي التي ساهمت بالارتفاع الجنوني للدولار قد لا يكونُ دقيقاً بالحد الكافي، مشيراً في الوقت نفسه إلى أنّ “التفسير العملي لما حصل في السوق قد يكونُ مرتبطاً بحاجات انتخابية من قبل الجهات السياسية”، ويضيف: “نعيش اليوم في فترة انتخابات، وطبعاً قد تكون هناك جهات سياسية تحتاج إلى دولارات لاستخدامها في عملية شراء الأصوات أو دفع تكاليف الحملات. كل ذلك يحتاج إلى سيولة بالدولار، وبالتالي فإن الطلب سيزداد من السوق الموازية”.
مع هذا، فقد شدّد غبريل على وجوب اتخاذ حلول أساسية وتنفيذ إصلاحات بنيوية، معتبراً أن “شهية الدولة على صرف الأموال ازدادت بشكلٍ كبير”، وقال: “نعيشُ اليوم في ظل إجراءات موضعية كان مصرف لبنان اتخذها لضبط سعر الدولار والليرة أيضاً، سواء عبر التعاميم التي أصدرها وأبرزها تعميم رقم 161”.
وتابع: “على الصعيد الشخصي، أتوقع أن مصرف لبنان سيبادر إلى تمديد العمل بالتعميم رقم 161 حتى أواخر شهر أيار المقبل، علماً أن مفعوله سينتهي أواخر نيسان الجاري”.
وأكّد غبريل أنّ العمل بمنصة صيرفة مستمر، وليس صحيحاً أن مصرف لبنان قد بادر إلى وقف العمل بها، وأردف: “لقد مررنا بفترة أعياد وعُطل رسمية خلال الآونة الأخيرة، وخلال تلك الأيام لم يعلن مصرف لبنان في بيانات عن سعر الصرف على منصة صيرفة، والذي يحدده العرض والطلب. إلا أن ذلك لا يعني أن المنصة توقفت عن العمل أبداً”.
وختم: “المضاربون يستفيدون تماماً من كل الإشاعات ليحققوا أرباحاً سريعة، مع العلم أن الحركة الاقتصادية لم تتغير ليصبح هناك أي طلب اضافي على الدولار، والمشكلة أن الحلول الجذرية تتأخر وهذا الأمر ليس في صالحنا”.