من دونِ أيّ منازع، تمكّن رئيس الحزب “التقدمي الإشتراكي” وليد جنبلاط من تحصين كتلته كاملة في دائرة الشوف – عاليه رغم “المطبّات الانتخابيّة” العديدة التي واجهها. بشكلٍ أو بآخر، كان جنبلاط حريصاً على تمكين صفوفه، وشدّ العصب باتجاه لائحة “الشراكة والإرادة” التي كشفت الأرقام عن قوّتها الانتخابيّة الكبيرة في الشوف والجبل. مع هذا، استطاع جنبلاط أنّ يربح الرهان ضدّ خصومه، فتمكن من تقليص كتلتهم النيابية، ونجحَ بالدرجة الأولى بالحفاظ على المقعد الدرزي في الشوف لصالح مرشحه مروان حماده.
وسط كل ذلك، فقد تبين أنّ جنبلاط استطاع منع حملة التطويق ضدّه، فحصّن نفسه نيابياً من باب واسع وعريض، وما تبين هو أنه كان قادراً على تقسيم الأصوات بينَ مرشحيه بطريقةٍ مكّنت كل واحدٍ منهم من التقدّم وضمان حاصل انتخابي لنفسه على حساب الخصوم وأبناء “البيت الواحد”.
في الواقع وقبل أي شيء آخر، تمكّن زعيم “الإشتراكي” من تجاوز ما كان اعلن عنه انه مُخطّط “حزب الله” لتحجيم زعامته الدرزية، وتصدّى لذلك بذكاء وحنكة، جعلته يخرج منتصراً من دون أي خسائر في كل لبنان.
حقاً، استطاع جنبلاط أن يُحصّن نجله تيمور عبر منع دخول الوزير السابق وئام وهاب على الخط النيابي الدرزي في الشوف، ومن ناحية أخرى تمكّن من تكريس معادلة الحفاظ على هويّة المختارة كزعامةٍ استطاعت مواجهة مخطط “محور الممعانة” كما يجري القولُ دائماً.
وعلى الرغم من أنّ الانتخابات في الشوف – عاليه أفرزت واقعاً جديداً لناحية دخول نواب من كتلة “تغييرية” إلى البرلمان من خارج اصطفاف أحزاب السلطة، إلا أنها كشفت عن أنّ الأطراف السياسية التقليدية سعت إلى “ضرب” نفسها، وهو الأمر الذي تم استغلالهُ من قبل أطرافٍ أخرى بذكاء. بشكلٍ فعلي، فإنّ المعركة في الشوف لم تكن بين جنبلاط وقوى التغيير بقدر ما كانت بين جنبلاط والسياسيين الدروز مثل وهاب والنائب السابق طلال أرسلان، وهذا ما بيّنه الواقع والنتائج. وبشكل واضح، فإن جنبلاط وجد في “المير” ووهاب طريقاً لتكريس خطر “حزب الله” عليه، ولذلك خاض الانتخابات ضدهما على قاعدة الثبات والبقاء.
بدون أدنى شك، كان جنبلاط واثقاً من معركته، واستطاع استنهاض الشارع الدرزي بكثافة ونجح، وبالتالي تمكن من قطفِ حشدٍ كبير لصالح “الشراكة والإرادة” في أوساط الطائفة السنية وفي العمق المسيحي.مع هذا، فقد استفاد جنبلاط من “زعل” كتلة من الدروز من حزبه، وعملياً فإن تلك الكتلة صوتت لمارك ضو الذي تمكن من إقصاء أرسلان، علماً أن جنبلاط لم يكن يوماً مع ضرب “المير”، لكن الأخير، وبحسب ما يقول إشتراكيون، لم يلتفت لجنبلاط ولم يستشعر الهجمة المقامة ضدّ الأخير، ولم يحفظ لـ”زعيم المختارة” خطوة ترك مقعد نيابي له في عاليه كما درجت العادة في كل انتخابات. وعليه، فإنّ جنبلاط لم يعمل على إسقاط أرسلان بشكل فعلي، لكنه استطاع الإستفادة من تنوع التوجهات داخل الدروز، وبالتالي الإنقضاض على أرسلان.
ومع كل هذا، فإن الأخير لم يستطع الحفاظ على توازن المعركة في ظلّ تحوّل نسبة كبيرة من الدروز نحو المجتمع المدني، كما أنه لم ينجح خلال الفترة الماضية باستقطاب “النافرين” من الإشتراكي. حتى وهاب أيضاً واجه الأمر نفسه في بعض المناطق، إذ لم تكن هناك قدرة على استقطاب “دروز المجتمع المدني” بعيداً عن جنبلاط، لأن ما تبين هو أن دورهم كبير جداً ويمكنهم قلب المعادلة رأساً على عقب.
وتماماً، فإن ما تبين هو أنّ جنبلاط استطاع أن يستوعب كل هذه الأمور ويكرّسها لصالحه، لكن الأساس هو أن “زعيم المختارة” لم يُسقط أرسلان بقدر ما عمل على تركيز نفسه، لكنه في الوقت نفسه لن يكسر من شآمة “دار خلدة” الأرسلانية. ولذلك، فإن مكانة أرسلان في الطائفة الدرزية ستبقى محفوظة، كما أن مكانة وهاب أيضاً قائمة. وعليه، فإن جنبلاط لم يهمش أي طرف منهما نظراً لقاعدة التمثيل الشعبي التي يحظيان بها، وأكبر دليل على ذلك أن التفاهم في البيت الدرزي الواحد سيبقى قائماً لحفظ الجبل ومنع أي توترات فيه.