عندما تحدثنا في هذه الزاوية بالذات عن مفاجآت قد تنتج عن الإنتخابات النيابية لم نكن نتوقع هذا النوع من المفاجآت السارّة، ولم نكن نتوقع أيضًا هذا الوعي لدى الناس في مختلف المناطق وبهذا المستوى. ففي كل مكان صبّت أصوات المواطنين في الإتجاه التغييري، فحققوا في ١٥ أيار، ومن خلال صناديق الإقتراع، ما لم يُسمح لهم بتحقيقه في ١٧ تشرين الأول من العام ٢٠١٩.
ولو لم تتمّ “المؤامرة”على القوى التغييرية عبر “لوائح ثورية مموهة”، وبوجوه تشبه إلى حدّ كبير الوجوه السلطوية بهدف عرقلة “التغييرين” الحقيقيين، لكانت أتت المفاجآت مدّوية أكثر، ولكانت نسبة الخرق تخطّت المعقول.
فما حصل مع كل من مارك ضو وحليمة القعقور ونجاة صليبا عون وميشال الدويهي وسينتيا زرازير وإيهاب مطر والياس الجرادة والنقيب ملحم خلف وفراس حمدان وياسين ياسين وبولا يعقوبيان وفراس سلوم ووضاح ابراهيم وصادق الصادق كان حصل مع أضعاف مضاعفة لأمثالهم، وهم من نموذج عن تحالفات عابرة للطوائف.
وعلى رغم هذه المطبّات فإن ما تحقّق جاء نتيجة عوامل عدّة، من بينها:
أولًا، رغبة الناس في مختلف الدوائر في إحداث التغيير المطلوب، وذلك نتيجة الممارسات الخاطئة المتراكمة على أيدي الطبقة السياسية، والتي يحمّلونها مسؤولية ما آلت إليه أوضاع البلاد من إنهيار على كل المستويات، وبالأخصّ على المستوى المعيشي.
ثانيًا، أثبتت الوقائع أن الشعب قد يمهل قليلًا، ولكنه لن يتنازل عن حقّه في العيش بكرامة، وفي حقه بأن ينتمي إلى وطن بكل المقومات التي تتمتّع بها سائر الاوطان، حيث تُحترم فيها حقوق الإنسان، وحيث تكون حقوق أبنائها متساوية بالقانون، ولا يكون قسم منهم مواطنين درجة أولى، وآخرون درجة ثانية.
ثالثًا، برهن المواطنون الأحرار، الذين ينتمون إلى مختلف الطوائف وفي مختلف المناطق أن “ثورتهم” لم تتوقف، وإنهم لن يتراجعوا قيد أنملة عن مطالبهم المحقّة، ومحاسبة الذين أوصلوهم إلى هذا الدرك، وإسترداد أموالهم المنهوبة، وإجراء الإصلاحات المطلوبة، التي يمكن من خلالها نقل الدولة من حالتها “المزرعاتية”، إلى حالة مختلفة.
رابعًا، ما كان مسموحًا به قبل ١٥ أيار لم يعد جائزًا بعده. الشارع لا يزال خيارًا أكيدًا في خطوة متوازية مع العمل النيابي التشريعي والرقابي، من أجل تأمين خلفية آمنة لهذه المجموعة النيابية الجديدة التغييرية.
خامسًا، حاولت “المجموعات الثورية” من خلال تحركاتها المتكررة إقتحام مجلس النواب عبر الشارع ولم تفلح، وجوبهت بالقنابل المسيّلة للدموع وبالرصاص المطاطي، وأحيانًا بالرصاص الحيّ.
ولكنها نجحت في النهاية من دخول البرلمان من بوابته العريضة مثلها مثل ممثلي الأحزاب والتيارات السياسية التقليدية، مع علامة فارقة، وهي أن هذه المجموعة “مطهرّة” من دنس الفساد، ولم تدخل في مسيراتها النضالية أي زاروب من زواريب المحاصصات والسمسرات والصفقات والتسويات والمساومات وأنصاف الحلول.
أن تدخل مجموعة تغييرية من 15 نائبًا إلى المجلس النيابي الجديد يعني الكثير، سياسيًا ووطنيًا. والأهمّ أن هذه المجموعة تنتمي إلى نبض الشارع، وهي عابرة للطوائف، وبالتالي يمكن إعتبارها مقدمة كان لا بدّ منها للولوج إلى الدولة المدنية، التي يطالب بها الجميع ولم يتحقّق منها أي شيء حتى اللحظة.