لا يزال “الاستحقاق” الأول الذي ينتظر مجلس النواب الجديد الذي أفرزته انتخابات الأحد الماضي، والمرتبط بانتخاب رئيس البرلمان، فضلاً عن نائبه وهيئة المكتب، محور أخذ وردّ، في ظلّ “الاستقطاب” الذي أحدثه على المستوى السياسي، رغم الاتفاق بين مختلف الفرقاء على أن “بقاء” الرئيس نبيه بري في منصبه الذي شغله على امتداد برلمانات ما بعد الطائف حتى اليوم، بمثابة “تحصيل حاصل”.
وبموازاة الاهتمام بهذا “الاستحقاق”، الذي يخشى كثيرون من المحسوبين على بري أو المقرّبين منه، من “مشاغبات” على حقّه من جانب بعض النواب المعارضين أو الجُدُد، الذين قد يرغبون بـ”لفت الأنظار”، فإنّ اختيار نائب الرئيس بدأ بدوره يشغل الاهتمام الداخلي، في ظلّ وجود مرشح لكلّ فريق من المعارضين لإعادة تسمية بري، ما قد يفتح “بازار” التفاوض، ويسمح بحصول “الأستاذ” على أكثرية “مريحة”.
ولعلّ ما لفت الانتباه في اليومين الماضيين تمثّل في الانفتاح الذي أبداه “حزب الله” على قوى الاعتراض، والهدوء الذي قابل به نتائج الانتخابات النيابية، وهو ما ربطه البعض بهذا الاستحقاق بالتحديد، فهل للحزب “مرشح فعلي” لنائب رئيس البرلمان؟ وما صحّة الحديث عن “مرشح مفضّل” في المقابل لبرّي؟ ولمن سيؤول المنصب في نهاية المطاف، وربما الأهمّ من ذلك، وفق أي أسس ومعايير؟
ثلاثة مرشحين أساسيّين
يتحدّث العارفون عن ثلاثة مرشحين أساسيّين يتنافسون على مركز “نائب الرئيس”، ولو نفى عدد منهم “تطلّعه” لأيّ منصب، على رأسهم النائب عن “التيار الوطني الحر” الياس بو صعب، الذي يُعتبَر بالنسبة إلى كثيرين “مرشحًا طبيعيًا” للمركز، في حال تمكّنه من حصول “توافق” عليه، وثمّة من يقول إنّ “الرهان” هو على هذه التسمية بالتحديد لإقناع رئيس “التيار” الوزير السابق جبران باسيل بالتصويت لبري رئيسًا للمجلس، رغم الخلافات “المبدئية”.
في المقابل، فإنّ لـ”القوات اللبنانية” مرشحها “الطبيعي” أيضًا وفق الترجيحات للمنصب، وقد عبّر رئيسها سمير جعجع عن موقفه صراحةً في المؤتمر الصحافي الذي عقده بعد أول اجتماعات تكتله النيابي، “الجمهورية القوية”، إلا أنّه بدا في الوقت نفسه كمن يقطع الطريق عليه، برأي البعض، بقطعه الطريق على تسمية بري لرئاسة البرلمان، بوصفه “غير مطابق للمواصفات” على حدّ تعبيره، وهو ما أثار “امتعاض” المقرّبين من “حركة أمل”.
يبقى مرشح ثالث بدأ اسمه يتداول في الأوساط السياسية، ألا وهو النقيب ملحم خلف، الداخل إلى البرلمان الجديد باسم قوى “التغيير”، بعدما خاض المعركة ضمن لائحة المجتمع المدني في دائرة بيروت الثانية. ومع أنّ الرجل نفى أكثر من مرّة أن يكون “راغبًا” في الوصول إلى أيّ منصب، كما “كذّب” المعلومات التي تحدّثت عن لقاء جمعه مع بري، تشير الكثير من المعطيات إلى أنه قد يكون المرشح “الأكثر جدية” للمنصب، حتى إثبات العكس.
مرشح بري؟!
أكثر من ذلك، ثمّة من يكاد يجزم أنّ النقيب خلف هو “المرشح المفضّل” لرئيس المجلس نبيه بري، وهو يسعى للوصول إلى “تسوية” تفضي إلى تسميته نائبًا له، علمًا أنّ “الأستاذ” يقول إنّه سبق أن دعم خلف في انتخابات نقابة المحامين سابقًا. لكن، في مقابل “حماسة” بري لخلف، وعدم ممانعة “حزب الله” لتسميته، ثمّة مشكلة تكمن في موقف “قوى التغيير” أساسًا من تسمية بري رئيسًا للمجلس، ما يقطع الطريق على أيّ “تسوية” يمكن التوصل إليها.
وفي هذا السياق، لفت ما نُسِب إلى عدد من النواب “التغييريين” لجهة قولهم إنّ انتخاب بري رئيسًا للمجلس سيكون بمثابة “خيانة للأمانة”، أو بالحدّ الأدنى “عدم انسجام مع الذات”، وهو موقف قد يكون “مفهومًا” بالنسبة إلى البعض، لكنّه قد لا “ييسّر” طريق خلف لنيابة الرئيس، باعتبار أنّ بري، لو كان يمتلك أكثرية “مريحة” لأمكنه تجاوز الأمر، إلا أنّه بحاجة إلى “مقايضة” اليوم تجنّبه “إحراج” انتخاب بأصوات تقلّ عن النصف.
لذلك، يقول البعض إنّ إصرار قوى “التغيير” على موقفه قد يحصر “التفاوض” مع “القوات” و”التيار” على “المقايضة” مع مرشحها، علمًا أنّ هناك من يقول إنّ “حزب الله” سيدخل وسيطًا على الخط لإقناع الوزير باسيل بتصويت تكتل “لبنان القوي” الذي يضمّ نوابًا وصل بعضهم إلى البرلمان بفضل “أصوات” الحزب، لصالح بري، من دون أن يكون مثل هذا الموقف “محرجًا” له، طالما أنّه يفضي إلى وصول أحد أعضاء التكتل، للمنصب البرلماني الثاني.
صحيح أنّ النقيب خلف يبدو لكثيرين “المرشح المفضّل” بري، الراغب في “الانفتاح” على نواب “التغيير”، رغم مواقفهم “المبدئية” الأقرب إلى “المشاغبة”، إلا أنّ هناك بين المقرّبين منه من يجزم سلفًا أنّ “لا مرشح مفضّلاً” على الإطلاق بالنسبة إليه، وأنّه مستعدّ للتعامل مع أيّ مرشح يختاره البرلمان، علمًا أنّ الأسماء الثلاثة المطروحة ليست “استفزازية” بالنسبة إليه، رغم “الاختلافات” في السياسة…