في المرّة السابقة، وعلى رغم عدم تسميته من قبل كتلة “القوات اللبنانية” وكتلة حزب “الكتائب اللبنانية”، وعدد من نواب كتلة “التيار الوطني الحر”، حصل الرئيس نبيه بري على 95 صوتًا.
كان إلى جانبه الرئيس سعد الحريري مع كامل كتلته النيابية ووليد جنبلاط وجميع نواب “اللقاء الديمقراطي”، فضلًا عن كتلتي “حزب الله” وحركة “أمل” بطبيعة الحال، وكتلة الرئيس نجيب ميقاتي وتيار “المردة” وأعضاء “اللقاء التشاوري” وكتلة “الحزب السوري القومي الإجتماعي وعدد من النواب المستقلين.
أمّا اليوم فالوضع مختلف، خصوصًا في ضوء ما أعلنه رئيس حزب “القوات” الدكتور سمير جعجع بعدم التصويت للرئيس بري، “الذي لا يتمتع بالمواصفات المطلوبة” للمرحلة المقبلة، فضلًا عن موقف “النواب التغييرين” وكتلة “الكتائب” وبعض المستقلين، بحيث يصبح عدد الذين سيصوتّون للرئيس بري ما يقارب الخمسين نائبًا، من دون إحتساب أصوات “النواب المستقبليين”السابقين، فضلًا عن الموقف الملتبس لـ”التيار الوطني الحر”، الذي لم يعط كلمته بعد، رابطًا ذلك بمدى التجاوب معه في مسألة نيابة الرئاسة.
ويقول البعض بأن النائب جبران باسيل سيترك هذا الأمر معلقًّا إلى حين إتمام صفقة شاملة ومتكاملة تشمل نيابة الرئاسة وأعضاء هيئة مكتب المجلس ورؤساء اللجان الأساسية، ومن بينها لجنة الإدارة والعدل.
ويذهب هذا البعض إلى حد الجزم بأن “التيار” سيصّوت للرئيس بري، حليفه الإنتخابي، لسببين، الأول هو ما يُحكى عن صفقة متكاملة، والثاني يتعلق بالسير عكس ما تريده “القوات اللبنانية”.
وفي هذه الحال ترتفع نسبة الذين سيصوّتون للرئيس بري من 58 إلى ما يقارب الثمانين صوتًا، وهو سقف يمكن إعتباره مقبولًا من حيث دلالاته الرقمية أولًا وما ترمز إليه، وثانيًا من حيث الرمزية الميثاقية، وهذا يعني الكثير للرئيس بري، الذي دعا الجميع في آخر كلمة له إلى الحوار.
أمّا لماذا تكتسب عملية انتخاب نائب رئيس المجلس النيابي الجديد أهمية بالنسبة إلى “التيار” فالأسباب كثيرة، ومنها على سبيل المثال لا الحصر:
اولًا لأن انتخاب رئيس المجلس محسوم لمصلحة الرئيس بري، لأنه المرشح الوحيد لهذا المنصب من دون منازع ومنافس، ولأن الثنائي الشيعي أحكم السيطرة الكاملة على الكتلة الشيعية في المجلس.
ثانيًا، لأن هذا المركز، أي نيابة رئاسة المجلس له أهمية خاصة أكثر من نائب رئيس الحكومة بحكم إدارته وتنسيقه لعمل اللجان النيابية.
إلى ذلك تدرك “القوات اللبنانية” وكذلك حزب “الكتائب” والنواب المستقّلون والنواب “التغييريون” الجدد هذا الواقع، ويعرفون مسبقًا أنهم غير قادرين على تغييره مهما كانت الوسائل المتاحة أمامهم، وهي تبدو معدومة، وبالتالي فهم لا يملكون سوى “الورقة البيضاء” للتعبير عن رفضهم هذا الواقع. وهذا يعني أن المرحلة المجلسية الجديدة مقبلة على صراع جدلي قد لا يفضي إلى أي نتيجة تشريعية، خصوصًا بالنسبة إلى القوانين التي لا يحتاج إقرارها إلى أغلبية الثلثين، حيث سنشهد تجاذبًا سياسيًا حادًّا بين محورين غير ثابتين إلا في القضايا المشتركة، وبالأخصّ في غياب وحدة المعايير بين مختلف القوى حتى تلك التي تلتقي على قواسم مشتركة بالنسبة إلى عناوين أساسية كالسيادة وحصرية السلاح بيد القوى الشرعية.
من هنا فإن النقاش داخل البيئة المعارضة تتقاسمه فكرتان: الأولى تقول بالسير في ما هو ممكن إلى حين التمكّن من فرض الخيارات التغييرية والإصلاحية الضرورية، إستنادًا إلى واقعية “أطلب المستطاع حتى تُطاع”.
أما الفكرة الثانية، وهي الغالبة، فتقول بضرورة الوقوف في وجه من أوصل البلد إلى هذا هذا المستوى من الإنهيار، وبالتالي فإن أي مسايرة، صغيرة كانت أم كبيرة، ستؤدي إلى المزيد من التنازلات والتراجعات تمامًا كما حصل مع أفرقاء 14 آذار حين كانوا الأكثرية في مجلس النواب.
إذًا، وكما هو واضح فإن أولى معارك هذه القوى ستكون من خلال رئاسة مجلس النواب، وإن كانت تعلم ما ستكون عليه النتيجة مسبقًا.
أمّا أمّ المعارك فستكون على رئاسة الحكومة وشكلها ومهامها.