بعد إتمام الاستحقاقات السياسية الاساسية المتمثلة بالانتخابات النيابية التي توّجت بفوز الرئيس نبيه برّي رئيساً لمجلس النواب، تتجه الانظار في المرحلة المقبلة الفاصلة عن موعد انتهاء ولاية رئيس الجمهورية ميشال عون نحو تشكيل حكومة جديدة قادرة على ضبط الاستقرار وفرملة الانهيار لاستكمال مسار الانقاذ الذي كان قد بدأه رئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي.
هذا المسار الذي انطلق، ولو بخطوات وصفها البعض بالبطيئة، لم يكن ليمرّ اساساً لولا إدراك الجميع بأن ميقاتي هو رجل المراحل الصعبة الذي يتقن تدوير الزوايا واستيعاب التناقضات من خلال وسطيته التي مكّنته لسنوات طويلة من الوقوف على مسافة واحدة من جميع الاطراف المحلية وبمنأى عن الصراعات الاقليمية، والذي لطالما ارتقت كل حكوماته في العمل السياسي الى مستوى الديمقراطية وترفّعت عن أي خصومة أو إلغاء او تخوين.
لكن مواقف القوى السياسية لا تبدو واضحة بعد بشكل كامل، فبينما يفضّل البعض الفراغ الدستوري على تكليف رئيس لحكومة آخر ايام “العهد” هناك من يسعى لاعادة تسمية الرئيس نجيب ميقاتي وآخر يعمل على تسويق اسماء جديدة يحقق من خلالها شروطاً سياسية، اضافة الى بعض الشخصيات التي قد تطرحها “قوى التغيير” او بعض القوى السياسية المعارضة لـ “حزب الله” بشكل مباشر.كل المؤشرات التي توحي بأن المشهد الحكومي لا يزال مغلّفاً بالضبابية تؤمّن مدخلاّ حقيقياً لدرس دوافع “العهد” للّجوء الى اختيار شخصية سياسية جديدة لتولّي رئاسة الحكومة علماً ان بقاء الرئيس نجيب ميقاتي هو ضرورة لا يمكن لرئيس الجمهورية ميشال عون التنازل عنها.مما لا شكّ فيه أن اهمية ميقاتي بالنسبة لعون تتمحور حول حاجة الاخير الى حكومة تُنهي معه “عهده” تجنّباً للوقوع في فراغ السلطة التنفيذية، الامر الذي من شأنه ان يهشّم صورته لا سيما وان الفراغ سيساهم بتسريع الانهيار الذي من المؤكد انه آخر ما يريده عون قبل نهاية “العهد”. لذلك فإن أصل حاجة “فخامة الرئيس” للرئيس نجيب ميقاتي يبدأ من حاجته لتشكيل سريع للحكومة والذي يبدو من المحال حصوله الا في حال التمسّك بميقاتي في هذه المرحلة.
وتعتقد مصادر سياسية ان الاقدر على تشكيل حكومة مشابهة بتوازناتها العامة للحكومة الحالية هو الرئيس نجيب ميقاتي لا سيما في ظل الظروف الراهنة، وان اي شخصية جديدة ستحتاج الى اشهر لخوض نقاشات مع القوى السياسية والتغييرية المحلية والقوى الاقليمية قبل ان يباشر الرئيس المكلف الى مدّ جسور الثقة مع مختلف القوى بشكل عام، ما يعني اعادة تعويم مشهد “التكليف بلا تأليف” ومرور الاشهر الاخيرة من “عهد” عون والبلد غارق في التعطيل.الاهم من ذلك كله ان الملفات التي بدأت الحكومة الحالية العمل عليها هي ملفات حياتية انقاذية وقد يؤدي تشكيل حكومة بوزراء جدد الى تجميدها ما سيعرقل قطار ميقاتي الذي انطلق على سكة الانقاذ ويعيق المفاوضات مع “صندوق النقد الدولي” لذلك فإن مصلحة عون تقتضي استنساخ حكومة مطابقة للحكومة الحالية.ولعل الدعم الذي يتمتع به ميقاتي من قِبل القوى الاقليمية يشكل بحد ذاته اضافة ل”عهد” الرئيس ميشال عون ويؤمن له حداً ادنى من الاستقرار الامني والاقتصادي والمالي قبل الخروج الاخير ما لا يجعله مربكاً امام الرأي العام فيغادر “القصر” على وقع احتجاجات شعبية ضخمة او على مشهد انفراط عقد الدولة بشكل كامل.