سيدات كرديات بلا هوية ولا كيان.. والهجزة الغير شرعية سبيلهن للخلاص!

8 يونيو 2022
سيدات كرديات بلا هوية ولا كيان.. والهجزة الغير شرعية سبيلهن للخلاص!


كتبت نوال نصر في “نداء الوطن”: يتعاملون معهم وكأنهم أقل شأناً. ينظرون إليهم “من فوق” بكثير من التعالي، وبكثير كثير من “التشاوف” والفوقية والتكبّر جاهلين، أو بالأصح متجاهلين، أنه كلما ارتفع الشريف تواضع وكلما ارتفع الوضيع تكبّر. جلجامش، البطل الأسطوري، الذي تعرفنا عليه في ملحمة جلجامش هو من أصلهم. إنه كردي. وها نحن، حين نضحك على زيّ “إنسان” نردد باستهزاء: متل الأكراد! فهل نحن جهلة أم نحن كبرنا في مجتمعات إذا لم تجد من تتنمّر عليه تنمرت على نفسها؟ نور أحمد، الكردية نور، المشحونة بحب بلادها والمملوءة بالقلق على غد أطفالها فتحت قلبها وتكلمت. 
بعيداً عن “هيصة” النساء في جمعية جين الكردية، يشدنا نور “نور أحمد”. فما بالها؟ ولماذا كل هذا الحزن البادي في عينيها؟ مع كل كلمتين تتفوه بهما تتساقط بدل الدمعة دموع. تمسحها وتروي: “أنا نور أحمد، ولدت في لبنان منذ 39 عاماً. أنتمي الى قرية بطمان في تركيا التي هاجر أهلي منها قبل خمسين عاماً. خمسون عاماً في لبنان بلا هوية ولا أحلام ولا نور في آخر المطاف”.نسألها عن بطمان فتجيب: “نسميها باللغة الكردية “إيلوه” وهي واقعة في جنوب شرق تركيا على نهر بطمان، وغالبية سكانها أكراد. إنها مدينة الأب الأبطال الخارقين. كانت تضم كتاباً ومثقفين كرداً إضطروا الى الهجرة منها. هاجرنا الى بلاد الله الواسعة ولبنان واحد منها. وهنا ولدت وكبرت وتزوجت وأنجبت وما زلت بلا هوية”. تمسح دمعتين. تسكت قليلاً. تفكر قليلاً. تنظر من الشباك وكأنها تسرح في مخيلتها بحثاً عن معالم قرية لم ترها في حياتها ولا تنتمي إلا إليها.

ولدان أنجبتهما نور، المتزوجة من كردي مشكلته مشكلتها، وهما: هيثم (7 سنوات) وبوليا (12 سنة). همّ هيثم وبوليا اليوم همها الوحيد. فمستقبلها، على ما قالت، بات وراءها أما مستقبلهما فمجهول. تعود لتذرف الدموع من جديد. نحاول ان نخفف عنها قليلاً طارحين عليها أسئلة كثيرة تبادرت للتوّ الى أذهاننا: أنت اليوم لبنانية كردية أم كردية لبنانية؟ تجيب بسرعة، بلا تفكير، وكأنها فكرت مراراً بسؤالنا قبل طرحه بكثير: “انا كردية فقط لا غير”.
في جمعية “جين”، وجين إسم أنثى معناه الألم، نصادف ألما كثيراً، ونسمع كثيراً من الحكايات عن ثقافة الكورد، ونصغي الى نساء يطالبن بالحرية لأوجلان وهنّ يسردنَ معنى الأسماء التي يمنحها الأكراد الى أطفالهم تعبيراً عن الإنتماء. نسمع باسم كوليستان (ومعناه وردة) وآفين (ومعناه حبّ وعشق) وديروك (ومعناه التاريخ) ووالات (معناه وطن) وآلان (معناه الراية والعلم) ونيروز (ومعناه الفرح) وديلان (معناه سرور وبهجة)… كثيرون يحرصون على التمسك بتلك الأسماء، التي تدل الى الهوية، كي يبقى الأكراد، أينما حلوا، يتذكرون أنهم هاجروا أرضهم بسبب الظلم والإضطهاد لكنهم، مهما ابتعدوا وطال الزمان، يبقون أولا وأخيراً أكراداً.نترك نور في “المساحة” المتاحة لها. نتركها مع هيثم الذي لم يمسك، حتى اللحظة، بقلم ولا يعرف من الدنيا إلا جفاءها. نترك نور ونحن ندعوها الى الحرص، خوفاً عليها وعلى أطفالها وأسرتها من أن يقرنوا القول بالفعل ويصبحون، في يوم قريب، مشروع هجرة غير شرعية جديدة.