كسر رئيس الجمهوريّة ميشال عون الجمود الحكوميّ، وكان لافتاً إعلانه أنّ الاستشارات النيابيّة في الايّام المقبلة. ولكن، في المقابل، عندما تُسأل الاوساط السياسيّة عن الاتصالات التي تجري في الكواليس في ما بينها، لتسميّة رئيس الحكومة الجديد، يأتي الردّ أنّ الاسم لا يزال قيد البحث، ولا شيء محسوماً حتّى اللحظة. ما يعني أنّ قرار كلّ كتلة سيُتّخذ قبل يومٍ من موعد الاستشارات، كما جرت العادة مُؤخّراً، على أنّ يبقى على الرئيس عون تحديد التاريخ.
ولعلّ ما يقف عائقاً أمام تسميّة الرئيس المكّلف في بداية الاسبوع، هو زيارة رئيس الوفد الاميركي المفاوض حول الحدود البحريّة بين لبنان وإسرائيل، آموس هوكشتاين، والتطوّر الخطير في موضوع التنقيب عن النفط والغاز في حقل “كاريش”. ويرى مراقبون أنّ الصورة الحكوميّة ستتوضّح أكثر بعد نهار الاثنين، إنّ بدعوة النوّاب، أو تأجيل الاستشارات الملزمة، إلى حين الاتّفاق على إسمٍ، يحظى بالاكثريّة، وإلى ما سترسو إليه الاتّصالات مع الموفد الاميركيّ.
ويُشير مراقبون إلى أنّ الرئيس عون وضع الخطوط العريضة لبرنامج الحكومة المقبلة، وهي “معالجة الأوضاع الاقتصادية والمفاوضات مع صندوق النقد الدولي”. وصحيحٌ أنّ لا خلاف على هذا الطرح من حيث المبدأ، وإنّما على كيفيّة تطبيقه. فخرجت العديد من الاصوات المعارضة لخطّة الحكومة الماليّة من جهّة، ولقانون “الكابيتال كونترول” وتطبيق كافة بنود صندوق النقد من جهة ثانيّة. ويرى المراقبون أنّ البدء من النقطة الصفر بهذه المواضيع، سيُؤخّر حتماً معالجة الاوضاع الاقتصاديّة، والتوصّل إلى إتّفاق مع الجهّات الدوليّة المانحة، بالتوازي مع إرتفاع سعر صرف الدولار، وغلاء المعيشة.ومن دون الغوص في تفاصيل إجتهاد كلّ طرفٍ حول الشقّ الاقتصاديّ. هناك عقبات رئيسيّة تواجه أوّلاً تسميّة رئيس الحكومة، وثانيّاً، شكل الحكومك وتوزيع الوزارات. وقد اعتادت البلاد بعد إجراء الانتخابات النيابيّة، أنّ تتمثّل كافة الكتل في مجلس الوزراء، وهذا المطلب طُرِح في 16 أيّار، بعد تبلوّر النتائج، مع عدم وضوح الصورة حول الاغلبيّة في مجلس النواب، على الرغم من أنّ “الثنائيّ الشيعيّ” و”التيّار الوطنيّ الحرّ” نجحا في مناسبتين، بتثبيت الاكثريّة لفريق الثامن من آذار.
وبحسب مراقبين، هذه الاغلبيّة مرجّحة أنّ تذهب في أيّ لحظة للفريق الاخر. وهذا ما يُعرقل الدعوة لاجراء الاستشارات. فإذا لم يتمّ الاتّفاق سلفاً على إسم الرئيس المكلّف، ونجح فريق “المعارضة” بالوصول إلى الرقم 65، سيفرض الاخير حكومة الاكثريّة. وهذا ما يُخيف فريق “العهد” ومعه “الثنائيّ الشيعيّ”. فقد اعتادت البلاد على الديمقراطيّة التوافقيّة، قبل الدعوة لاجراء أي إستحقاق. وهذا ما تُرجِم في جلسة اللجان الاخيرة، حيث جرى تقاسمها بين كافة الاحزاب، المتحالفة، والمتخاصمة في ما بينها. ويُضيف المراقبون أنّ التمسّك بحكومة “الاكثريّة”، ممكن أنّ يجرّ البلاد إلى إنفجارٍ أمنيّ، إذا تمّ إقصاء “حزب الله” من المشاركة في مجلس الوزراء.وإنّ استمرّت المشكلة في عدم الاتّفاق على إسمٍ، أقلّه ينال الاكثريّة من 8 آذار، يوضح مراقبون أنّه من الصعب أنّ يُؤلّف الفريق المعارض حكومته، ويُقصي “التيّار”، و”حزب الله” وحلفاءهما. ويُذكّر المراقبون أنّ هناك طرحين من قبل النائب جبران باسيل عادا إلى الاضواء، وهما ليسا بجديدين. أوّلهما الثلث المعطّل، بالتوازي مع سعيه لتوسيع كتلته النيابيّة. وثانيهما، المطالبة بوزارة الطاقة.وقد أبدى أكثر من فريق رغبته بتولّي هذه الحقيبة، لما تُمثّله من هدرٍ لخزينة الدولة، وزيادة الدين العام، وعدم نجاح خطّة الكهرباء حتّى الان، لا من ناحيّة إستجرار الغاز من مصر، ولا عبر الاردن مروراً بسوريا. بالاضافة إلى ذلك، عند الحديث عن خطّة الكهرباء، يعود موضوع إعطاء سلفة لمؤسسة كهرباء لبنان، وبناء المعامل، وأبرزها سلعاتا، والمآخذ عليه، ليوضعا على طاولة مجلس الوزراء من جديد. ويقول مراقبون إنّه لو نجحت الكتل، وسمّت رئيس الحكومة، فإنّ المعضلة الاكبر، ستتمثّل بتوزيع الحقائب السياديّة، وأبرزها “الطاقة”، ومطالبة “القوّات اللبنانيّة”، و”المجتمع المدنيّ” بها. فالمراد منها بحسب المراقبين، الاضاءة على إخفاقات وزراء “الوطنيّ الحرّ” فيها، أكثر من الانجاز. كما أنّ الاحزاب أوجدت الوزارات الطائفيّة، كـ”الماليّة”، التي يُطالب “الثنائيّ الشيعيّ” بها عند كل فرصة، ويطمح آخرون لتولّيها، أو بتبادل الحقائب. ويُشدّد مراقبون أنّ هذه المشاكلات موجودة فقط في حكومة “الوحدة الوطنيّة”. أمّا لو كان الحال في حكومة “أكثريّة”، فالعقبات تُذلّل بسرعة أكبر. ويسأل المراقبون: “كيف سيطالب الفريق “السيادي” بالتفرّد بتشكيل الحكومة، وهو لا يحظى بالاغلبيّة النيابيّة، ولا تزال نقاط كثيرة عالقة بينه، وبين نواب “17 تشرين”، تحول دون الاتّفاق في ما بينهم؟ وأيضاً، يُشير مراقبون إلى أنّه يستحيل السير بحكومة “تكنوقراط”. فالانتخابات أفرزت فقط 13 نائباً تغييريّاً، مع بعض المستقلّين. وفي الحقيقة، كانت الحكومتان الاخيرتان، تكنوسياسيتيّن، شارك رؤساء الاحزاب بتسميّة وزرائهم فيهما، وعطّلتهما السياسة في العديد من الاوقات.وتجدر الاشارة إلى أنّ الدول الغربيّة رحّبت بإجراء الانتخابات النيابيّة، ودعت كافة الافرقاء للاسراع بتشكيل الحكومة الجديدة. توازيّاً، يتخوّف مراقبون من تصريف الاعمال لفترة طويلة، إنّ كان أصحاب القرار سيفرضون على رئيس الحكومة شروط التشكيل، والحصص الوزاريّة، وبرنامج الحكومة، الامر الذي سيحول حكماً دون تأليف حكومة بوقت قريبٍ.