حدد رئيس الجمهوريّة ميشال عون يوم الخميس 23 حزيران، موعداً لإجراء الاستشارات الملّزمة لتسمية رئيس الحكومة المكلف. والثابت الوحيد أنّ لا إسم مطروحاً في العلن حتى اللحظة، ولم تحسم أيّ كتلة نيابيّة موقفها من التسميّة. وأهمّ من تتّجه إليهم الانظار هم النواب السنّة، ومن سيكون مرشّحهم لرئاسة مجلس الوزراء. علماً أنّ عمر الحكومة المقبلة سيكون قصيراً، مع اقتراب موعد إنتخابات رئاسة الجمهوريّة. على أنّ يبقى سيناريو المماطلة في إنتخابات “سيّد بعبدا” الجديد قائماً، مع تشتت الاكثريّة النيابيّة.
والجدير بالذكر أنّ المشهد السنّي النيابيّ كان قبل عزوف الحريري ينقسم إلى فريقين. الاوّل مع ما يُمثّله “تيّار المستقبل” وحلفاؤه النواب السنّة من الرئيس نجيب ميقاتي والمستقلّين من الرئيس تمام سلام من جهة، ونواب “اللقاء التشاوري” المقربين من “الثنائيّ الشيعيّ” من جهّة أخرى. وكانت كتلة “المستقبل” بطبيعة الحال، تُرشّح الحريري إنّ كانت هناك تسويّة سياسيّة بين كافة الاطراف، وخصوصاً في الحكومات السياسيّة الجامعة بعد كلّ إستحقاقٍ إنتخابيٍّ.
أمّا حاليّاً، ومع إبتعاد الحريري، أنتجت الانتخابات النيابيّة كتلا سنّية عديدة، بالاضافة إلى شخصيّات مستقلّة. ولعلّ أبرز هؤلاء نواب الشمال السنّة، الذين كانوا من ضمن كتلة أو تيّار “المستقبل”، وقرّروا خوض الانتخابات، خلافاً لقرار الحريري. ويعمل هؤلاء على تشكيل كتلة سنّية وازنة، تكون الاكبر تمثيلاً للطائفة برلمانيّاً، وشعبيّاً. وبدأوا التنسيق مع نواب مستقلّين من بيروت، كذلك، من البقاع، لتشكيل رأيّ موحّدٍ، والاتّفاق حول الاسم الجديد الذي سيتولّى رئاسة الحكومة.
في السيّاق، لم يجتمع “اللقاء التشاوري” بعد الانتخابات النيابيّة، وخصوصاً وأنّ المشهد السنّي تغيّر بعدها. فصحيحٌ أنّ فيصل كرامي لم ينجح في 15 أيّار الماضي، وفاز مكانه النائب طه ناجي، وحليفه النائب جهاد الصمد. وبقاعاً، حافظ حسن مراد على المقعد السنّي الذي شغله والده عبد الرحيم مراد. وفي بيروت، فاز عدنان طرابلسي بولاية ثانيّة، وضمّ “حزب الله” نائبين بقاعيين سنّيين إلى صفوفه، وهما ينال الصلح وملحم الحجيري. بالاضافة إلى أنّ النائب قاسم هاشم، تحت راية كتلة “التنميّة والتحرير”. ومع الطعن المقدّم من كرامي، ووثوقه من فوزه في الانتخابات، لم يجتمع النواب السنّة المعارضون إذا جاز القول لـ”الحريرية السياسيّة”. وبحسب ما يقول مراقبون، فانّ أصوات التكتّل السنّي المعارض، كانت تنقسم. فقد صوّت عام 2020، هاشم للحريري، مع دعم الرئيس برّي لتسميته. كذلك، فعل طرابلسي، والصمد الذي قرّر أنّ يكون مستقلاً عن “اللقاء التشاوري”.
في الاطار عينه، الانقسامات داخل الصفّ السنّي “السياديّ” والمعارض لـ”حزب الله” تكبر. والنائبان أشرف ريفي وفؤاد مخزومي على بعد الامتار الاخيرة من تشكيل كتلتهما، على الرغم من أنّ دوائر القصر الجمهوري لا تزال تعتبرهما مستقلّين( وفق جدول الاستشارات). وتجدر الاشارة أيضاً إلى أنّ نواباً سنّة، كأسامة سعد، وعبد الرحمن البزري وحسن مراد وجهاد الصمد، هم من المستقلّين.
وفي المقلب الآخر، يبرز 5 نواب سنّة من كتلة “17 تشرين”، التي من المنتظر أنّ تُعلن عن مرشّحها لرئاسة الحكومة، ومدى إمكانيّة دعم باقي الكتل “السياديّة” المسيحيّة والدرزيّة والسنيّة لهذه الشخصيّة. فيصعب بحسب مراقبين أنّ يدعم نواب “الثورة” مرشّحاً تسمّيه أحزاب ونواب 14 آذار. لذا، يرى المراقبون أنّ أفضل سيناريو لايصال مرشّح “سياديّ” مكلّف، أنّ تقوم “الكتائب” و”القوّات” و”التقدميّ الاشتراكيّ” ونواب “اللقاء النيابي الشمالي” وغيرهم من المستقلّين، بدعم مرشّح قوى “التغيير”.
ويُشير مراقبون إلى أنّ حظوظ الرئيس نجيب ميقاتي تبقى الاعلى، لما يُمثّله من توافق حول إسمه، وقدرة على إستقطابه التأييد الكبير من كتل مختلفة، أبرزها “الثنائيّ الشيعيّ” و”اللقاء الديمقراطيّ” و”اللقاء النيابيّ الشماليّ”، وغيرها من الكتل والنواب المستقلّين.
ويلفت مراقبون إلى أنّ دور رؤساء الحكومات السابقين انحسر نسبيا مع إبتعاد الحريري، وعدم ترشّح الرئيس تمام سلام للنيابة، توازياً مع قيام الرئيس فؤاد السنيورة بالتنسيق منفرداً مع رئيس “القوّات” سمير جعجع، ورئيس “التقدميّ” وليد جنبلاط، حول إسم رئيس الحكومة المكلّف.
كذلك، كانت عودة السفير السعودي لدى لبنان، وليد بخاري، مع تحديد موعد الاستشارات، ملفتة. فقد زار دار الفتوى التي لم تُعلن بعد عن الشخصيّة التي تدعمها لرئاسة الحكومة. ويُجدّد مراقبون التذكير أنّ المملكة العربيّة السعودية، سبق وأعلنت في عدّة مناسبات، أنّها لا تتدخّل في تسميّة رئيس الحكومة، ولا في الاستحقاقات الدستوريّة اللبنانيّة، وتترك الخيار للبنانيين باتّخاذ القرار المناسب.
في المحصّلة، ساهم عزوف الحريري، وعدم خوض تيّاره الانتخابات في عدم وضوح الخيار النهائي للنواب السنّة، ولا شي محسوماً بعد في تسميّة الرئيس المكلّف، والاصوات التي سينالها، وشكل الحكومة والممثلين فيها. ويبقى خيار تأجيل الاستشارات الملزمة قائماً، إلى حين إيجاد شخصيّة قادرة على تدوير الزوايا وتذليل العقبات. ويختم مراقبون أنّ العلّة الاساسيّة هي التأليف، وهذا ما دأبت عليه السياسة اللبنانيّة منذ العام 2016، ما ادى الى تعقيدات اضافية في عمليّة تشكيل وتأليف الحكومة.