أيام مهمة متبقية من الشهر الحالي، لجهة انتظار رد الوسيط الأميركي آموس هوكشتاين على الرد اللبناني، ولجهة أين سيرسو الترسيم الحكومي وعلى من، لندخل بازار التكليف والتأليف. فيما تردد صدى حكم المؤبد الذي أصدرته المحكمة الدولية الخاصة بلبنان بحق قياديين من “حزب الله” في أرجاء واسعة في العالم، لكن من دون أن تحرك الدولة ساكناً تجاهه.
يعتبر كثيرون أن الكرة في ملعب هوكشتاين لمساعدة الجانبين المتنازعين على الحدود البحرية على تجاوز خلافاتهما، من دون إخفاء التشكيك بعدم الوصول الى أي نتيجة في هذا الملف أقله خلال ولاية الرئيس ميشال عون، خصوصاً أن الوقت يضيق أمام قضية شائكة ومعقدة جداً.
وزيارة الوسيط الأميركي الى بيروت مستبعدة لانشغاله بملفات أخرى، ما يفتح الباب على تساؤلات كثيرة نظراً الى أن الغموض رافق العملية التفاوضية ما دفع جهات داخلية عدة الى المطالبة بالشفافية والنزاهة في ملف وطني وسيادي بامتياز، متهمة العهد بفتح بازار كبير لحسابات شخصية لا تمت الى المصلحة الوطنية بصلة.
الدولة بمنأى عن حكم المحكمة
وعلى أهمية ملف الترسيم إلا أن ضوءه خفت خلال الساعات الماضية ليتقدم عليه ملف الاستحقاق الحكومي والتطور القضائي البارز المتمثل في حكم المحكمة الدولية الخاصة بلبنان على اثنين من أعضاء “حزب الله” هما حسن مرعي وحسين عنيسي بالسجن المؤبد، وضمتهما إلى عضو آخر من الحزب هو سليم عياش الذي أدانته في آب 2020 وحكمت عليه بالسجن مدى الحياة.
وفيما التزم الحزب الصمت، وتخلفت السلطات عن القيام بأي خطوة، تصاعدت الدعوات الى “حزب الله” لتسليم المتهمين، فيما اعتبر المتحدث باسم الخارجية الأميركية نيد برايس أن “هذا الحكم يمثل علامة بارزة طال انتظارها في السعي الى تحقيق العدالة لشعب لبنان”.
أما النائب مروان حمادة فأعلن أنه سيطالب الحكومة ووزير العدل باتخاذ المقتضى القانوني والعدلي في ضوء ما صدر عن المحكمة الدولية وكيفية التعاطي مع هذا القرار.
وفي هذا الاطار، أكد أحد الخبراء الدستوريين لـ “لبنان الكبير” أن ليس أمام الدولة اللبنانية الا تنفيذ الحكم في حال طلب منها ذلك، أي جلب المتهمين والقبض عليهم وتسليمهم الى العدالة.
الحكومة تتصدر لائحة الاهتمام
والملف الحكومي المتصدر لائحة الاهتمامات، يشق طريقه نحو ٢٣ الجاري بصعوبة نظراً الى التعقيدات والعراقيل والصفقات والمطالب الكثيرة والحصص والشروط، حتى بات التكليف من المهمات الشاقة والتأليف من الأمور شبه المستحيلة.
وعلى هذا الصعيد، تتواصل اللقاءات المكثفة بين الأطراف كافة وعلى أعلى المستويات لتمرير التكليف انطلاقاً من الحسابات الخاصة لكل فريق، بحيث أكدت معلومات لـ “لبنان الكبير” أن “الثنائي الشيعي” الذي يميل الى تسمية الرئيس نجيب ميقاتي يحاول إقناع النائب جبران باسيل بالعودة عن قراره الرافض تسميته على خلفيات سياسية وشخصية، خصوصاً بعدما وصلت أصداء الى فريق الممانعة أن القوى المعارضة تضع كل ثقلها للتوافق على اسم وأن كل الاحتمالات واردة، وربما حمل يوم الخميس مفاجآت غير متوقعة على الرغم من أن اسم الرئيس ميقاتي هو الوحيد المطروح جدياً والأوفر حظاً حتى الساعة.
وفي السياق، لفت مصدر متابع الى أن اللقاءات والمشاورات قائمة بين أحزاب المعارضة التقليدية والمستقلين والتغييريين، وأن النقاش تكثف بين الجميع خلال عطلة نهاية الأسبوع، واستمر حتى ساعات الفجر لأن مقاربة الملف الحكومي تخضع لمقاييس وحسابات دقيقة والكل يعلم حجم المسؤولية الملقاة على عاتقه، ويعتبر أن أدوات هذه المعركة وطريقة إدارتها يجب أن تكون مغايرة لما حصل في انتخابات المجلس الداخلية.
ولا بد أن الصورة الضبابية ستتضح أكثر اليوم أو خلال الساعات الـ٢٤ المقبلة، بعد اللقاءات والاجتماعات الموسعة بين أطراف المعارضة التي في حال توافقت على بعض الثوابت، ستشكل جبهة واسعة على مستوى لبنان، وستذهب الى الاستشارات بإسم واحد، ولكن لا توافق حتى الساعة، والموقف النهائي يحتاج إلى مزيد من التشاور على الرغم من الانسجام الكبير بين عدد من الأحزاب والتكتلات ما يعني أن عنصر المفاجأة سيفرض نفسه وبقوة يوم الخميس، وكل السيناريوهات تبقى واردة حتى لحظة الاستشارات.
وفي حين أكد المصدر أن التدخل الخارجي في هذا الاستحقاق ربما يقلب الموازين في اللحظة الأخيرة، وأن المحاصصة تتحكم بالمسار الحكومي بغض النظر عن الشخصية التي ستتولى التأليف المستبعد، أشارت أوساط الرئيس ميقاتي لموقع “لبنان الكبير” الى أنه أعرب عن موقفه صراحة وعلناً بعدم تردده في رفض أي محاولة لادخالنا في تسويات لا مصلحة للوطن فيها أو في مساومات سياسية مخالفة لقناعاتنا، معتبرة أن توقيت نشر المراسلات الديبلوماسية، مشبوه، ويأتي في إطار الحملة التشويهية لصورة ميقاتي عشية الاستشارات النيابية.
وهذه المراسلات تفضح بشكل فاقع من هم وراءها وأهدافهم وغاياتهم، كما باتت الصورة أوضح حول استشراسهم للحصول على بعض الحقائب، والتمسك ببعض التعيينات الديبلوماسية وسواها.
وعلى الرغم من أن أوساط ميقاتي رفضت التعليق على حظوظ الأخير في إعادة التكليف وامكان التأليف باعتبار أن النواب هم من سيختارون الشخصية المناسبة للمرحلة، أوضحت أن لا شيء محسوم حتى الآن خصوصاً أن الكثير من الكتل والأحزاب لم يعلن قراره النهائي، وبالتالي، من المبكر الحديث عن التأليف من عدمه.
على صعيد آخر، طالب البطريرك الماروني الكاردينال بشارة الراعي خلال عظة الأحد بـ”تشكيل حكومة جامعة بأسرع ما يمكن”، مناشداً “جميع القوى السياسية المؤمنة بكيان لبنان الحر والسيد والمستقل والقوي والصامد أن تحيد صراعاتها ومصالحها، وتوفر الاستقرار السياسي ليس من أجل تشكيل الحكومة وانتخاب رئيس جديد للجمهورية وحسب، بل أيضاً لدرء أي خطر إقليمي عن لبنان”.
ولفت الى أن “اكتمال السلطة الشرعية شرط أساس لاكمال المفاوضات مع المجتمع الدولي وصندوق النقد الدولي ولاستكمال المحادثات بشأن ترسيم الحدود البحرية الجنوبية التي يتوقف عليها مصير الثروة النفطية والغازية.
ونظراً الى عدم وضوح الرؤية في الوقت الراهن والمستقبل القريب، فإن المصلحة العامة تقتضي أن تكون الحكومة المقبلة ذات صفة تمثيلية وطنية، محررة من الشروط الخارجة عن الدستور والميثاق والأعراف، فلا تكون فيها حقائب وراثية ولا حقائب ملك طائفة ولا حقائب ملك مذهب ولا حقائب ملك أحزاب”.
الوضع المعيشي على الخط الأحمر
وعلى المقلب المعيشي حيث يتركز اهتمام الناس على تأمين الحد الأدنى من احتياجاتهم اليومية، تبدو الصورة أكثر ضبابية وأكثر تعقيداً في ظل غياب أي خطة لمعالجة الأزمة، ويتوقع سياسيون وخبراء أن ينفجر الوضع الاجتماعي في أي لحظة، والمراهنة على تأقلم اللبناني وعلى المساعدات الخارجية التي لم تعد جائزة بعد ٣ سنوات من التفاقم المستمر لأن القدرة على التحمل وصلت الى الخط الأحمر .
وكان ينقص هذا كله عودة الزحمة الى محطات البنزين التي أقفلت بمعظمها خلال عطلة نهاية الأسبوع لأسباب لم تعد تهم الناس الذين يتخوفون من الارتفاع الإضافي في الأسعار والدولرة، وهذا ما نفاه المعنيون الذين أكدوا أن الشركات ستسلم مادة البنزين خلال هذين اليومين، وبالتالي لا تخوف من عودة الطوابير.