لا تزال التشكيلة التي قدّمها رئيس الحكومة المكلّف نجيب ميقاتي إلى رئيس الجمهورية ميشال عون، في مدّة قياسية تُحسَب له، والتي قيل إنّها خضعت لـ”تعديلات طفيفة” خلال اللقاء الثاني بين الرجلين صباح الجمعة، محور أخذ وردّ، في ضوء “الاستياء” الذي عبّرت عنه بعض القوى السياسية ممّا وصفتها بـ”استهداف” فريق محدّد، هو “التيار الوطني الحر”، ولو أنّه أبدى “تعفّفًا” عن المشاركة في الحكومة.
وفي سياق المواقف التي برزت في اليومين الماضيين، كما التسريبات الصحافية التي لجأ إليها “المعترضون” بشكل مكثّف، عاد الحديث عن حكومة “سياسية”، حيث أشارت بعض الأوساط إلى أنّ فريق رئيس الجمهورية كما “التيار الوطني الحر”، متمسّك بحكومة “سياسية”، أو بالحدّ الأدنى “تكنو سياسية”، تترجم نتائج الانتخابات النيابية الأخيرة، بدل أن تكون “نسخة منقّحة” عن حكومة تصريف الأعمال.
وتوحي مواقف “حزب الله” مثلاً أنّه ليس ببعيد عن هذا الطرح، فهو من دعاة “حكومة الوحدة الوطنية” من الأساس، ويعتبر أنّ مشاركة جميع القوى ضرورية في هذه المرحلة الدقيقة خصوصًا، ولعلّ التصريح الأخير لنائب أمينه العام الشيخ نعيم قاسم يصبّ في هذه الخانة، من خلال انتقاده القوى التي صنّفت نفسها في خانة “المعارضة” لحكومة لا تزال “مجهولة”، في حين أنّ المطلوب منها أن تقدّم برنامجها الذي انتُخِبت على أساسه.
ترجمة نتائج الانتخابات
يبدو مثل هذا الكلام جميلاً ورنّانًا، فبعض القوى السياسية سارعت فور انتهاء الانتخابات النيابية للحديث صراحةً عن انتهاء زمن “حكومات التكنوقراط”، باعتبار أنّ الاستحقاق الذي طال انتظاره أفرز خريطة سياسية واضحة، تشمل معظم القوى الحزبية التقليدية، كما تشمل أيضًا وجوهًا وقوى جديدة، أطلق على بعضها اسم “قوى التغيير”، لا بدّ أن تتمثّل أيضًا في أيّ حكومة جديدة، بعدما أصبح لها “حيثيتها” التي كان الجميع ينكرها في السابق.
وتنتقد هذه القوى على وجه الخصوص التشكيلة الأولية التي قدّمها الرئيس المكلّف باعتبار أنّها لم تراعِ التوازنات الجديدة، مسجّلة أنّه عمد فقط إلى “شطب” اسم وزير المهجرين من “تركيبة” حكومة تصريف الأعمال، باعتباره محسوبًا على الحزب “الديمقراطي اللبناني” الذي لم يفز بأيّ مقعد نيابي في الانتخابات الأخيرة، وإلى تمثيل التكتّل الشماليّ المستجدّ، من دون أن يترجم نتائج الانتخابات على مختلف الساحات الأخرى، ولا سيما المسيحية منها.
وفي التسريبات، يذهب البعض أبعد من ذلك، ليقول إنّ رئيس الجمهورية يريد حكومة “واسعة التمثيل”، بل إنّ لا اعتراض لديه على تمثيل “القوات اللبنانية” مثلاً بحقائب أساسيّة، بعدما أعطتها الانتخابات حيثيّة “توازي” تلك التي يتمتّع بها “التيار الوطني الحر”، وإنّه يريد أيضًا تمثيل “نواب التغيير” الذين أفرزتهم الانتخابات كقوة لا يُستهان بها أيضًا، بحقيبة أساسيّة، لإشراكهم في صنع القرار من داخل السلطة التنفيذية.
هل الفكرة قابلة للتطبيق؟
الواضح أنّ مثل هذا الطرح، على أهميته، لا يبدو “واقعيًا” ولا قابلاً للتطبيق، طالما أنّ القوى التي يطالب البعض بتمثيلها في الحكومة لا ترغب أساسًا في المشاركة، وهي أعلنت ذلك صراحةً وبشكل لا يحتمل اللبس، فـ”القوات اللبنانية” على سبيل المثال قالت إنّها لا تشارك سوى بشروط محدّدة، لا يمكن أن تتوافر في الوقت الحاليّ، ولا في الأشهر القليلة المقبلة الفاصلة عن انتهاء “العهد”، على أن يُبنى بعده على الشيء مقتضاه.
أما نواب “التغيير”، فلهم فلسفتهم الخاصة، التي تقوم على رفض المشاركة مع “المنظومة” في حكومة واحدة تقوم على ما تعتبرها “محاصصة”، تتجلى بتقاسم الحقائب أو “المغانم” بين الأحزاب التقليدية، كما أنّ هؤلاء النواب يصرّون على تطبيق مفهوم “الديمقراطية” ويدعون لاحترام النظام البرلماني، وهم متمسّكون بمبدأ “أكثرية تحكم وأقلية تعارض”، بعيدًا عن تحويل الحكومات إلى “ميني برلمانات” بما يطيح بمبدأ “المحاسبة”.
ولعلّه ليس خافيًا على أحد أنّ الرئيس المكلّف نجيب ميقاتي استند إلى هذه المواقف المعروفة والواضحة ليقدّم تشكيلته الأولى التي يراها “مناسبة”، وهو لم يكن ليلجأ إلى “تنقيح” حكومة تصريف الأعمال بدل “تركيب” حكومة جديدة من الصفر، لو أنّ الأحزاب التي أفرزتها الانتخابات عبّرت عن رغبة في المشاركة، أو حتى تركت “الاحتمال” واردًا، إلا أنه فعل بعدما تيقّن أنّ هذه القوى تريد البقاء في المعارضة حتى نهاية العهد.
يخشى البعض أن يكون رمي بالون “الحكومة السياسية” في هذا الوقت محاولة لـ”تضييع الوقت” ليس إلا، خصوصًا أنّ مواقف مختلف الكتل النيابية واضحة في اتجاه المشاركة من عدمها، وهو ما دفع الرئيس المكلف إلى “التسريع” بمسار التأليف، خصوصًا أنّ الوقت لا يسمح بالوقوف على خاطر هذا الحزب أو مسايرة ذلك النائب، كما لا يتيح لأحد التغنّج والدلال، مع بدء العدّ العكسي لاستحقاق رئاسي يحوّل الحكومة تلقائيًا لتصريف الأعمال.