ولعت بين بعبدا والرئيس المكلف، تقرير تلفزيوني استدعى رداً من المكتب الاعلامي للرئيس نجيب ميقاتي، الأمر الذي استدعى رداً على الرد من “التيار الوطني الحر”، اتهامات متبادلة، وتسريب الجلسات الخاصة، مما يوحي بأن الحكومة بعيدة المنال، وقد يصل البلد إلى الاستحقاق الرئاسي بلا حكومة، على وقع الأزمات التي تلف البلد، والتي بدأت حركات الاحتجاج تغزو الشوارع بسببها، ويبدو أنه ستزاد عليها أزمة فراغ دستوري، لن يستطيع أحد تحمل وزرها.
أما اللافت في حرب البيانات فهو أن كل فريق يتهم الآخر بمخالفة الدستور، فمن يخالف الدستور؟ الرئيس المكلف أم رئيس الجمهورية؟ وهل يكون الحل بتعديل دستوري لفرض مهل دستورية على الرئيسين؟
دوائر مقربة من الرئيس ميقاتي اعتبرت في حديث لموقع “لبنان الكبير” أن ما يحصل هو اعتداء على الدستور، معللة قولها بأنه “عندما تذهب الحكومة إلى مجلس النواب وتسقط في امتحان الثقة، تسقط هذه الحكومة ورئيسها، بينما يبقى رئيس الجمهورية مكانه، ولو أن عدم نيل الحكومة الثقة يسقط رئيس الحكومة ورئيس الجمهورية أيضاً، يمكن عندها القول إن رئيس الجمهورية شريك في تشكيل الحكومة، ولكن من غير المقبول اليوم أن يفرض أحدهم على رئيس الحكومة فريق عمل، وهو لا يكون مسؤولاً عنه، بل الوحيد الذي يتحمل مسؤوليته هو رئيس الحكومة.
لذلك الدستور يقول رئيس الحكومة يشكل الحكومة ويتشاور مع رئيس الجمهورية، النص العربي واضح، هناك فرق بين المشاورة والشراكة، ولذلك هم يعتدون على الدستور في هذا الأمر، وكذلك هو تعدٍ على الموقع السني الأول، والرئيس ميقاتي الذي كان ولا يزال حامي الدستور، والمحافظ على صلاحيات رئيس الحكومة، لن يقبل التفريط بها، مهما كانت الظروف، وهو يؤمن بفصل السلطات، ويمارس صلاحياته بحذافيرها، وفقاً للدستور، وقد عمل على تشكيلة وزارية سريعة جداً، أثبتت جدية التعاطي مع الظرف الذي يعشيه البلد، وكون غالبية الوزراء بقيت نفسها أمر منطقي جداً، فهذه حكومة قصيرة العمر، وإن أتى بتغيير وزاري شامل لن يتمكن الوزراء الجدد من انجاز أي أمر يذكر، بل قد تتعرقل الملفات التي يعمل عليها الوزراء الحاليون، إلى حين التسليم والتسلم”.
ورأت المصادر أن “الكرة الآن في ملعب رئيس الجمهورية، إن كان يريد أن يتعاطى من منطلق المحاور السياسية ويسير حسب مصلحة التيار الوطني الحر، وعطشه لوزارة الطاقة، فهو يتحمل المسؤولية، وتحديداً أنها آخر أيام عهده”.
أما النائب السابق غسان مخيبر فاعتبر في حديث لـ “لبنان الكبير” أن “هناك استغلالاً لثغرة في الدستور من رئيسي الجمهورية والحكومة، بحيث أن النص الدستوري لم يتضمن مهلة زمنية محددة للتأليف، ولذلك يتمادى الطرفان في مفاوضات كل بحسب مصلحته، ومن الواضح أنهما يبحثان عن صيغة حكومية تدير فراغاً رئاسياً، اذ تدير هذا الفراغ الحكومة مجتمعة، هذه من البدع الدستورية التي اخترعها السياسيون في لبنان، لتعزيز مواقع سياسية ظرفية، وهذا ليس بمنطق الدستور وهو خطأ كبير، فأن يعتبر أحدهم، أن لأي وزير في الحكومة جزءاً من صلاحيات رئيس الجمهورية لا يكتمل إلا بالإجماع الحكومي، هو هرطقة دستورية”.
ولجهة النص الدستوري وعدم وضوحه بشأن التوافق أو التشارك أو المشاركة في تشكيل الحكومة بين الرئيسين، أشار مخيبر الى أن “المادة الدستورية أعطت لكل من رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة حق نقد متبادلاً ولهما صلاحيات متوازية في عملية التأليف، ولكن هناك محاولات من التذاكي بين الرئيسين، فعملياً نية المشرّع الدستوري ما بعد الطائف، حفظت لرئيس الجمهورية هذه الصلاحية الذاتية، التي تكاد تكون الوحيدة، في تأليف الحكومات، بحيث أن التأليف يحتاج إلى توقيع رئيس الجمهورية، لذلك دستورياً وعملياً الرجلان محكومان بالتفاهم وإلا خربت البلاد”.
أضاف مخيبر: “خلال المشاورات في الطائف، تم التوصل إلى نص يضع آلية لحل الخلاف في حال وقع بين الرئيسين، ولكنه سقط لاحقاً، طبعاً حل مثل هذه الثغرة كان يمكن أن يساعد في حسن إدارة الدولة، ولكن السياسيين اللبنانيين برعوا في اختراع الثغرات، لتأبيد صلاحية الأوليغارشية الفاسدة، المؤلفة من الزعماء الـ 6، فلكل منهم اختراع، بل هم استفادوا من اختراعات بعضهم البعض، فيما هي مسخ التفسير الدستوري، والاستفادة والاستغلال لكل ثغرة من ثغراته.
حيث أن القاعدة المطلقة من القانون الدستوري العام، هي أن الدولة خصم شريف، وأن النصوص تفسر على ضوء حسن النية، ولكن للأسف، إن التجربة اللبنانية أثبتت أن تفسير النص يسير على ضوء سوء النية عند الحكام”.
وفنّد رئيس مؤسسة JUSTICIA الحقوقية المحامي بول مرقص تشكيل الحكومة في معرض حديثه لموقع “لبنان الكبير”، فلفت الى أن “عملية تشكيل الحكومة تمر بـ 3 مراحل، أولاً الرئيس المكلف يستمع إلى النواب، ولكن استماعه اليهم نتيجته غير إلزامية، فيمكن مثلاً أن يطالب النائب بعدد من الوزراء أو بحقائب مبالغ بها.
ثانياً يعد رئيس الحكومة مشروع تشكيل حكومته. ثالثاً يعرض تشكيلته على رئيس الجمهورية، إذا نالت موافقته يصدر مرسوم التشكيل، أما إذا لم تنلها، فيجب تعديلها، وإذا لم يتم الاتفاق بين الرئيسين فلا يصدر مرسوم تشكيل الحكومة”.
ولجهة أن هناك خللاً في النص الدستوري في هذه المسألة، أشار مرقص الى أن “في الأنظمة الشبيهة بالنظام اللبناني قد تحصل هذه المشكلات، ولكنها اذا حصلت فلا تطول أكثر من أيام معدودة، بحيث أنهم يلتزمون بمهلة قصيرة تتخطى النصوص الدستورية، مبنية على الأخلاقيات السياسية وقد استنبطها الفقه الإداري، وتسمى مهلة معقولة.
لا أظن أن التعديل الدستوري لفرض المهل صريحة في النص هو الحل، فهناك تجربة لبنانية بشأن المهل، هي انتخاب رئيس الجمهورية، حيث أن النص الدستوري واضح، بمواد 4 بما يخص انتخاب رئيس الجمهورية، وهي 49،73،74،75. هذه المواد فصلت بالتفصيل الممل كيفية انتخاب رئيس للجمهورية في حال حصول فراغ، بحيث يجب أن يجتمع المجلس النيابي حكماً، ولا يمكنه التشريع، عليه الانتخاب فقط، وعلى الرغم من ذلك دام الفراغ الدستوري سنتين ونصف السنة”.