يكثر الحديث اليوم عن تعديل قيمة الدولار الجمركي بالليرة اللبنانية، من منطلق رفع إيرادات الدولة لتستطيع تغطية إنفاقها، وتحديداً الرواتب والأجور للقطاع العام، الذي يشل عمل الدولة بإضراباته.
هذه الخطوة لا تزال تلقى جدلاً بين المعنيين في الدولة، فهناك من يقول إن الدولار الجمركي يجب أن يكون على 8 آلاف ليرة، وآخرون على 12 ألفاً، فيما يعتبر البعض أنه يجب أن يكون على سعر “صيرفة”.
ولا يزال النقاش دائراً بين القوى السياسية لتحديد قيمة الدولار الجمركي بالنسبة الى الليرة اللبنانية، ولكن مهما كانت هذه القيمة الجديدة، فستكون هناك ارتدادات اقتصادية عليها، وفي غالبيتها سلبية، وفق ما يؤكد أكثر الخبراء.
وزير العمل في حكومة تصريف الأعمال مصطفى بيرم أكد في حديث لموقع “لبنان الكبير” أن “تحديد قيمة الدولار الجمركي مرتبط بإقرار الموازنة، التي ستتضمن سلة من الواردات تعطينا هامشاً من أجل رفع رواتب القطاع العام، ولكننا اليوم في حكومة تصريف أعمال”.
اما عضو المجلس الاقتصادي والاجتماعي عدنان رمال فاعتبر أن “هناك معضلة كبيرة اليوم، فمالية الدولة لا تستطيع تغطية رواتب القطاع العام”، لافتاً الى أنه “لا يمكن رفع أجور القطاع العام من دون تأمين إيرادات للدولة، وكون لبنان بلداً غير منتج فلا يمكن زيادة إيرادات الدولة إلا عبر الضرائب، وإلا سيتم طبع عملة وهذا معناه كتلة نقدية أكبر، وتضخم أكبر”.
ورأى رمال أن “هناك حاجة إلى عودة القطاع العام المشلول اليوم، وعلى الرغم من أنه من حق الموظف أن يحصل على راتب يكفيه ويؤمن له الحياة الكريمة، ولكن لا يمكن زيادة الدولار الجمركي من دون خطة شاملة، تشمل أموال المودعين، ورواتب القطاع العام، وكل القطاعات في البلد، لأن ذلك سيزيد من الأزمة ولا يحلها.
الخطة يجب أن يقبل بها الجميع، ويجب أن يقبلوا بالتضحية، ولكن لا يمكنهم ذلك من دون خطة تعطي صورة للحل، فاليوم قد يضحي الجميع إن كانت الخطة تقول إن الحل بعد 5 أو 10 سنوات، ولكن التدابير الفردية وحدها ستعمّق الأزمة، فهي تحل مشكلة من مكان ولكنها تفتح الباب على مشكلات وأزمات في أماكن أخرى”.
أما عن تأثير ذلك على معيشة المواطن في حال رفع الدولار الجمركي على الكماليات كما يقول المعنيون، فتساءل رمال عمن يحدد ما هي الكماليات وما هي الأساسيات، “فهل قطع السيارات يمكن اعتبارها كماليات في ظل غياب شبكات النقل العام؟ أم هل الثياب تعتبر من الكماليات؟ ماذا عن الهاتف والانترنت هل يعتبران من الكماليات؟”، مؤكداً أن “هذا ذر للرماد في العيون، فليست هناك أساسيات وكماليات، الدولار الجمركي سيشمل 90% من حاجات الناس، وتبقى الـ 10% إجمالاً للأكل والشرب، ولكن حياة المواطن ليست أكلاً ونوماً فقط، بعض السلع كالكافيار مثلاً هي ما قد يعتبر من الكماليات، ولكن كمْ تستطيع هذه السلع تأمين إيرادات للدولة؟ إيراداتها لا تكفي حاجة الدولة، لذلك سيشمل الدولار الجمركي غالبية حاجات المواطن”.
دولة ضائعة، هذا توصيف الواقع اللبناني، بعيداً عن الأمور السياسية والانقسامات المحورية، والصراع على تحديد هوية لبنان. هذه الدولة لا تعرف التخطيط، ولا الخطط، على الرغم من أن أصدقاء لبنان كثر، والجمعيات الدولية تقترح آلية الحلول، لا يزال حكام البلد مستمرين في طريقة الحكم نفسها منذ العام 2005، أي تركيب الطرابيش، وهذا كان سبب الأزمة، ولن تخرج الحلول إلا بوصاية خارجية ربما، ولن يكون الحل برفع عشوائي لبعض الضرائب مثل الدولار الجمركي، الأمر يحتاج إلى خطة شاملة، تغطي جميع القطاعات، وليس قطاعاً واحداً فقط.