كتب نقولا ناصيف في” الاخبار”: ليس المأزق الذي يواجهه تأليف الحكومة، المرشح لأن يتطبّع ويتكيّف مع مرور الأشهر المقبلة، سوى تعبير عن أن مقاربته لا تتم كاستحقاق دستوري في ذاته ولذاته، وهو أن استقالة حكومة أو اعتبارها حكماً مستقيلة يحتم تأليف حكومة جديدة تخلفها، بل كإحدى الأدوات المحتملة في مواجهة الاستحقاق الدستوري التالي، وهو انتخاب رئيس جديد للجمهورية بين نهاية آب ونهاية تشرين الأول. مع أنها، سواء حكومة تصريف أعمال أو حكومة مكتملة المواصفات والوظيفة، غير معنية بانتخابات الرئاسة الأولى من قريب أو بعيد، لا دور لها فيها، وليست مختصة بالإشراف عليها شأن الانتخابات النيابية العامة، ولا تدخل في إدارة الاستحقاق أو المساعي الجارية من حوله، وليس ملزماً حضورها جلسة الانتخاب إن لم يكن من أعضائها وزراء نواب، وليس من بين أعضائها كذلك مرشحون للرئاسة على نحو انتخاب وزير التربية شارل حلو رئيساً للجمهورية عام 1964 ووزير الاقتصاد سليمان فرنجية رئيساً عام 1970… مع ذلك يشتد الخناق من حول تكليفها. وهو يبدو اليوم محصوراً بين صاحبي التوقيعين الدستوريين الملزمين لصدور مراسيم الحكومة الجديدة: رئيس الجمهورية والرئيس المكلف.
سببان على الأقل متقاطعان، يُعزى إليهما اشتداد الخناق هذا. يعود كل منهما إلى دافع وجيه لكل من صاحبي التوقيعين: لا يريد المعني الأول بالتأليف، وهو الرئيس المكلف، تكرار تجربة سلفه سلام عندما ترأس حكومة كان منوطاً بها عام 2013 – لو تألّفت وقتذاك – الإشراف على الانتخابات النيابية العامة المقررة في السنة تلك، فإذا طول الخلاف على الحصص والأحجام، دونما أن يكون رئيس الجمهورية ميشال سليمان طرفاً فيه، أوصلها إلى تسلم الحكم قبل ثلاثة أشهر فقط من نهاية ولاية الرئيس. في مرحلة تولي حكومة سلام سلطات رئيس الجمهورية، انفجرت من الداخل مراراً، ونشأت فيها أعراف إدارتها غير مسبوقة وغير مفهومة بالضرورة، إلا أنها ابنة أمر واقع، سرعان ما أضحت أحد أسلحة الانقسام على الانتخابات الرئاسية المعطلة وقتذاك، كون الأفرقاء السياسيين المشاركين فيها هم المعنيون المباشرون بالاستحقاق الرئاسي مرشحين أو ناخبين.
هو السبب نفسه يحمل رئيس الجمهورية على الإصرار على حكومة سياسية كحكومة 2013 – 2016، يبقى الأفرقاء الرئيسيون في صفوفها بممثلين حزبيين لتثبيت توازن قوى لا يرجح لمصلحة رئيس الحكومة، ومحاولة استئثاره بالسلطة بها. كما قدمت حكومة سلام دليلاً ساطعاً على صحة مخاوف ميقاتي من تكرار الانفجار المبكر، قدمت من قبل حكومة السنيورة دليلاً ساطعاً مماثلاً على استئثاره بالحكم بعد نهاية ولاية الرئيس إميل لحود، على رأس حكومة استقال منها الوزراء الشيعة الخمسة، فرجحت كفة رئيسها مع الوزراء الآخرين حلفائه في إدارة السلطة في الداخل ومع الخارج، على نحو قاد إلى انفجار مؤجل بعد سنة في 7 أيار 2008.
الصائب أن بقاء الحكومة المستقيلة في المرحلة المقبلة، في خلال المهلة الدستورية لانتخاب الرئيس الجديد أو بعد الشغور المحتمل في الرئاسة، يُسجَّل انتصاراً للرئيس المكلف دونما أن يكون كاملاً، مقدار ما يمكن أن يُعدّ إخفاق رئيس الجمهورية في فرض تأليف حكومة سياسية خسارة له دونما أن تكون كاملة. بالتأكيد نقاط الربح عند ميقاتي أكثر منها عند عون الذي لا يزال يسعه، مع حلفائه وخصوصاً حزب الله، أن يجعل من الحكومة المستقيلة نسخة طبق الأصل عن حكومة سلام: إسقاطها من الداخل بتعطيل نصاب انعقادها وخروج وزرائه والوزراء الحلفاء منها، ومنع رئيسها من التسلم الفعلي لسلطات رئيس الجمهورية.